للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حادي عشر: من علاقة الداعية بالمدعو أن يصبر عليه]

يصبر عليه في أشياء كثيرة، يصبر على هذه النفسية المعقدة، ويصبر على هذه الشخصية التي امتلأت شهوات وتمردت على شرع الله، وطال عليها الأمد وقسى القلب والداعية يريد التغيير، وهو لا يتعامل مع أحجار صلدة ولا ملائكة بررة، فينبغي أن يراعي ذلك، فيصبر على تعليم المدعو ويصبر على أذاه وعلى انحرافاته والتوائه، قال الله لرسوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:١٢٧] {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:٣٤].

فالداعية قد يواجه من المدعو شروداً، وقد يواجه منه كلاماً مؤذياً وتصرفات سخيفة، فيجب أن يصبر عليه أو أن يحفظ ما يستطيع حفظه من ماء الوجه واحترام شخصيته، ولا يعني الصبر الرضا بالذل والمهانة أبداً، ولكن شيء من سعة الصدر وشيء من التقبل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتقبل الأذى وصدره رحب لهذا الأذى.

فالمدعو قد يكون عنده أخلاق سيئة، قد يكون متعجرفاً متكبراً مغروراً، عنده عجب، فعلى الداعية أن يصبر عليه، وأن يعالج الأخلاق السيئة بالأساليب الحكيمة فيداري هذا الشخص ويكرمه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة) ويوجه التوجيه المتواري بغير الأمر.

كيف تدعو متكبر شخصاً؟ لا يصلح أن توجه له الأمر قال له: من أنت حتى تأمرني أصلاً، لكن لو قلت له: إنك فعلت كذا وأليس من الأحسن أنك تفعل كذا، والنصيحة له سراً حتى لا يشعر أنك فضحته في الملأ، ويستعلي عليك، وأن تظهر له أنه ليس المقصود بذاته في النصح، وأن النصح عام له ولغيره، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يجاهر فيقول: ما بال أقوام، ويعطي له فرصة اكتشاف الخطأ بنفسه، لأنك لو أوقفته على خطئه لازداد عتواً وتمرداً وغروراً، بينما لو تركت له الفرصة يتكشف خطأه بنفسه لربما تخطيت له عقبات من الكبر والغرور.

والمناقشة مع غيره أمامه في موضوع يهمه دون الإشارة إليه وهو يسمع، وتعليمه التواضع، والقدوة، وداعية آخر غيرك يواجهه بدائه لو استدعى الأمر المصارحة ولو كرهه، فتنجو أنت فلا يكره الأول، وأعداء الإسلام إذا كانوا يعتمدون التوجيه غير المباشر فدعاة الإسلام أولى به وأحرى، وتذكر هذه الجملة: التوجيه غير المباشر.

ومن الصبر: الصبر على صدود هذا المدعو، قد تأتي وتمر لإنسان وتقول له: نصلي، يقول لك: إن شاء الله، نمشي سوياً، قال: اسبقني إلى المسجد، انتهت الصلاة ورجعت ووجدته مكانه، صليت معنا، قال: لا صليت في مسجد يصلي بسرعة، الحل: اصبر على ما يقولون، والمدعو قد يظن أن للداعية مطامع دنيوية، فينبغي للداعية أن يبين له ويقول: ما سألتكم عليه من أجر، والصبر أيضاً على تغيير واقعه السيئ، وتحمل ما يصدر منه من التصرفات.