[صبر المرأة على أقدار الله]
المرأة قد تبتلى بزوجٍ يعتبر بلاء من الله، وقد تقع مصيبة كأن يموت زوجها وهي تحبه جداً، قد يموت ولدها وقد تكون متعلقة به جداً.
عن أنس رضي الله عنه قال: [مات ابن لـ أبي طلحة من أم سليم] تأمل معي في كيفية التصرف وكيف عالجت الأمور؟ [فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه] أي: سأخبره بطريقتي الخاصة، قال: [فجاء ولا يدري عن الولد شيئاً، فقربت إليه عشاءً، فأكل وشرب، قال: ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك؛ فوقع بها] السؤال الآن: كيف يطيب للمرأة أن تتصنع وتتزين، وتدع المجال لزوجها ليقع عليها وعندها ولد ميت؟! هذا الفرق بين نساء الصحابة ونساء اليوم [فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيتٍ ثم قالوا: ردوا علينا عاريتنا التي أعطيناكم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا.
قالت: فاحتسب ابنك] فانظر كيف دخلت عليه، أما اليوم فيعرف الرجال أن الولد قد مات من صراخ المرأة، بل بعضهن تنوح إذا جرح الولد وتصيح كأنه قد مات ثلاثة.
فيا معشر النساء! انظرن الآن ودققن في تصرف أم سليم! فغضب أبو طلحة، فقال: تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني؟ فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لكما في غابر ليلتكما) يعني: بما حدث، قال: فحملت أم سليم من تلك الليلة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، فلما عادوا إلى المدينة وقبل أن يصلوها ضربها المخاض فاحتبس معها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل -وذلك من شدة محبة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يكون ملتصقاً به- وقد احتبست بما ترى يا رب، تقول أم سليم بعد الدعاء مباشرة: يا أبا طلحة، لا أجد الذي كنت أجد فانطلق بنا فانطلقنا، ولما قدم المدينة رجع المخاض فولد غلاماً، قال أنس: فقالت لي أمي: يا أنس! لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله، قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: لعل أم سليم ولدت؟ قلت: نعم، قال: فوضع الميسم، وجئت به فوضعته في حجره ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة فلاكها حتى ذابت ثم قذفها في فيِّ الصبي، لذلك أن من السنة أن يحنك المولود بالتمر عند ولادته يأخذ أبوه قطعة من التمر فيمضغها أو يعجنها حتى تذوب تقريباً ثم يضعها في فم المولود ويمررها على حنكه من الداخل فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال رسول الله: (انظروا إلى حب الأنصار التمر) أي: على الفطرة! خرج من بطن أمه وهو يحب التمر، قال: فمسح وجهه وسماه عبد الله.
مهم للمرأة أيضاً أن تصبر على ما يصيبها من الأذى في سبيل الله، قد تضطر لأن تُخرج من بلدها، قد تفصل من مكان دراستها ظلماً وعدواناً، أو يحصل لها اضطهاد فيطردها زوجها من البيت، فتخرج من المكان الذي ألفته صابرة محتسبة.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: [بلغنا مخرج رسول الله ونحن بـ اليمن، فخرجنا مهاجرين إليه] وكانت معهم أسماء بنت عميس، وذلك أنهم ذهبوا إلى الحبشة مع المسلمين الذين هاجروا من مكة إلى الحبشة حيث التقوا بهم، فقال لهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: [أنتم خرجتم إلى رسول الله، ونحن أرسلنا رسول الله إلى الحبشة أقيموا معنا] حتى قدموا جميعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة سنة سبع للهجرة، وسمع عمر أن أسماء بنت عميس قالت كلاماً بعدما جاءوا من الحبشة إلى المدينة، فقال: [من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر رضي الله عنه: ألحبشية؟ أو قال: ألبحرية هذه؟] يعني: أتت عن طريق البحر، فقالت أسماء: نعم.
فقال عمر: سبقناكم في الهجرة، فنحن أحق برسول الله منكم، فغضبت أسماء وقالت كلمة: قالت: كذبت يا عمر! كلا.
لقد كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء والبغضاء؛ في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وأيم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن النجاشي تعرض لمحاولات عزله عن ملكه بعد أن أجار المسلمين، وانقسمت الحبشة على نفسها، وكان الصحابة يخافون؛ لأنه لو غُلِب النجاشي فلا أحد يحميهم؟ والقصة ذكرها الذهبي في السير، لكن ما أقوله هنا هو حديث في الصحيح، وعندما نقول: في الصحيح، فإما أن نعني البخاري ومسلم، أو أحدهما، أو أنه على شرط الحديث الصحيح، وإن لم يرد في البخاري ومسلم.
قالت أسماء: وسأذكر ذلك لرسول الله وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك.
تأمل أمانة المرأة المسلمة، ودقتها في النقل، مع أن النساء تجمح بهن العاطفة والمبالغة والتهويل، فينقلن الخبر أكثر مما كان عليه، كما قال المحدث عن أهل الكوفة: يأتي إليهم الحديث شبراً فيخرج من عندهم ذراعاً.
أو أنهن يهولن القصة ويعظمن الحدث حتى يظن السامع أن الدنيا قد قامت ولم تقعد، وهذا من طبع النساء، لكن المرأة المسلمة دقيقة في نقل الأخبار لا تزيد عليها، ولا تتسرع في استنتاجاتها الخاصة، فتقول: حصل كذا، ولا تهول الموضوع، بل تنقله بدقة.
تقول أسماء: ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك، قال: فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا نبي الله! إن عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله: (ليس أحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أهل السفينة هجرتان) من اليمن إلى الحبشة، ومن الحبشة إلى المدينة، قالت: [فلقد رأيت أبا موسى -وهو من أصحاب الهجرتين وأصحاب السفينة- يأتوني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله] قال أبو بردة: قالت أسماء: [ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني] أي: يقول: أعيدي علي أعيدي علي؛ لأن فيه: إنكم أصحاب السفينة لكم هجرتان.