شرط جواز المدح ألا يكون فيه مجازفة، فإذا كان فيه زيادة عن حال الرجل ومجازفة فإنه عند ذلك لا يجوز مطلقاً.
وكذلك أيها الإخوة من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه فإن الممدوح لا يأمن على نفسه العُجب، فربما ضيع العمل والزيادة من الخير اتكالاً على ما وصف به، لو أنك أخذت إنساناً ومدحته وقلت: أنت كذا وكذا أمام الناس أو بمفرده ماذا يحصل لهذا الرجل؟ يحصل بسبب مدحك إياه بأنه قد وصل إلى منزلة عالية من الخير، وأنه عند الله في كذا وكذا، وأنه من أهل الجنة مثلا، هذا الشيء يدفعه إلى ترك العمل لأنه يشعر بأنه قد أمن على نفسه، وبأنه قد أصبح في المنزلة العالية، ولذلك قال العلماء: إن الرجل لا يعمل إلا إذا أحس بالتقصير، فأنت إذا مدحته مدحاً زائداً فإنك تزيل عنه التقصير من نفسه، تزيل عنه الإحساس بالتقصير فلذلك يتكاسل عن العمل ويتوانى، هذه أيها الإخوة من أضرار الإفراط في المدح.
وأما من مدح إنساناً بما فيه وكان هذا الرجل من أهل الصلاح والتقوى، ولا يوجد عنده حب للظهور، أو لا يوجد عنده اغترار بالكلام الذي سيمدح به فإنه والحالة هذه لا يكره مدحه، ولكن هذا الأمر لعمر الله يحتاج إلى فراسة إيمانية لا تتوفر لكثير من الناس، لذلك كان الأحوط ألا تبالغ في المدح ولا تمدح إلا للضرورة الشرعية.
ولذلك قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: وقد ضبط العلماء المبالغة الجائزة من المبالغة الممنوعة، بأن الجائزة يصحبها شرط أو تقريب والممنوعة بخلافها.
يعني: أنت أحياناً تضطر إلى المدح فماذا تقول في مدحك؟ فلان إن شاء الله من أهل الخير ما دام متمسكاً بالدين، أو ما دام متبعاً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا الشرط أو التقريب ما دام متبعاً مهمٌ جداً لكي يكون المدح شرعياً وإلا كان إطلاق المدح: فلان من أهل الخير والصلاح هكذا تزكية ومدح بدون قيد أو شرط، هذا المدح يخشى أن يكون مما لا يرضي الله عز وجل، أو تقول: فلان نحسبه من كذا على سبيل التقريب، نحسبه من أهل كذا، هذه الصيغة لا بأس بها إذا احتاج الإنسان إليها.