للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السلبية القاتلة]

ومن الأشياء التي نعاتب فيها قضية السلبية، السلبية القاتلة التي تمنعنا عن القيام بالأعمال، السلبية القاتلة التي تقعد بنا عن ممارسة الأدوار الإسلامية المطلوبة في الواقع، السلبية القاتلة التي تمنعنا حتى من تثبيت إنسان مسلم يتعرض لفتنة، الآن إخواننا الذين يتعرضون لفتن كثر، واحد يتعرض لفتنة المال، وواحد يتعرض لفتنة المنصب، وواحد يتعرض لفتنة النساء، وواحد يتعرض لمحنة اضطهاد، ما هو دورنا؟ ولا شك أن كل واحد فينا يعلم على الأقل ممن يبتلى أو يتعرض لفتنة أو محنة، ما هو دورنا في تثبيته؟ هل قمنا بأشياء في تثبيتهم؟ هل مددنا لهم يد العون الإسلامية بالتذكير والموعظة؟ كانت أبواب التثبيت متداولة في العصر الأول، لو واحد تعرض لمحنة يجد من إخوانه من يقف بجانبه، لو تعرض لشدة وكربة يجد من إخوانه من يساهم في تفريجها عنه، يجد الواحد على الحق أعواناً، والآن يتعرض الإنسان لمحن وأنواع من الفتن فلا يجد ممن حوله من يقف، ولو حتى بكلمة ينصحه بها ويثبته، ولذلك تكثر حالة الانتكاس.

ومن أسباب الانتكاس: أن هناك سلبية من المحيطين بالشخص المنتكس، لقد أحسوا بتقهقر، لقد رأوا بوادر الشر، لقد لمسوا مواطن ضعف الشخص، لكنهم ما فعلوا شيئاً، ولذلك لو ناقشت بعض هؤلاء المنحرفين لقال لك: إن جزءاً من المسئولية يقع على عاتق أصحابي الأول، إنهم ما كانوا حولي لما حصل لي ما حصل من الضعف، ولا أحد جاء ونصحني ولا ثبتني ولا لازمني، هم يعرفون أنني أنحدر فما لازموني بل تركوني أنحدر إلى الهاوية لوحدي.

الإمام أحمد رحمه الله لما حمل إلى المأمون أُخبر أبو جعفر رحمه الله قال: فعبرت الفرات مع أنه الإمام أحمد لكن ما قال: هذا الإمام أحمد لا يحتاج إلى تأثير ولا يحتاج نصراً، لا.

لا بد من ممارسة دور حتى لو كان الإمام أحمد، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر! تعنيت -أتعبت نفسك- فقلت: يا هذا! أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، -أي: كلهم ينتظرون كلمتك- ومع هذا فإن الرجل -يعني: الخليفة- إن لم يقتلك فأنت سوف تموت، فاتق الله ولا تجب، فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله، ثم قال: يا أبا جعفر! أعد علي فأعدت عليه وهو يقول: ما شاء الله ما شاء الله.

حتى أن أعرابياً ممن كانوا يعملون الشعر في البادية لما سمع أن الإمام أحمد متوجه ومحمول إلى المأمون، ذهب من مكان إلى مكان حتى وصل إلى مكان الإمام أحمد وهو أعرابي، وجلس يقول له كلاماً بالثبات على الحق، مع أنه أعرابي وهذا الإمام أحمد، لكن ما منعه ذلك من أن يؤدي دوراً في الموضوع.

حتى اللصوص في السجن كان أحدهم يقول للإمام أحمد: يا أحمد! إني أصبر على الضرب وأنا على الباطل، أفلا تصبر عليه وأنت على الحق؟! ويقول واحد من أهل السجن للإمام أحمد: إنما هي ضربة أو ضربتان بالسوط ثم لا تدري أين يقع الباقي، قال: فسري ذلك وخفف عني.

فالواحد عندما يكون في محنة ويجد من إخوانه من يقف بجانبه يسر بذلك، ويشعر بشعور عظيم ويشعر بتثبيت، واليوم نحن نتخلى عن أدوار مهمة جداً يمكن أن ينقذ الله بها أقواماً من الناس بسبب سلبيتنا القاتلة.