من مظاهر عدم الجدية في الالتزام بالإسلام كذلك: الحماس بغير أساس، لو أنك كلمت نفراً أو طائفة من شباب اليوم، فتكلمت عن أهمية طلب العلم، وفضل طلب العمل، وذم والجهل، وخطورة الجهل، يتحمس بعد الكلام ويأتي إليك يقول: أرجوك أنا أريد أن أتعلم، دلني، اعمل لي جدولاً، وهات تفاصيل.
فتعطيه تفاصيل، وتكتب وتتعب نفسك، وتجدول له أشياء، وتقول: اقرأ هذا الكتاب وبعده الكتاب الفلاني والثالث، وتسمع هذه المجموعة من الأشرطة، وبعد هذا التعب وبعد شهر عندما تراجع وتحاسب وتنظر فيما أتعبت نفسك فيه، تجد أن الأعذار تنطلق: أنا نسيت، أنا قرأت أول صفحة ثم مللت، أنا انشغلت وكانت عندي ظروف، وهذه كلمة (ظروف) كلمة عجيبة اليوم وإذا دققت في هذه الظروف، فالحماس هذا ما هو سبب ذهابه؟ سبب ذهابه أنه كان غير مؤسس على تقوى من الله ورضوان، وغير مؤسس على صدق وإخلاص وعزيمة في العمل، وإنما هو مجرد أن الواحد تحركت أحاسيسه وتحمس في لحظة من اللحظات وبعد ذلك انطفأت.
لذلك نبي بني إسرائيل في قصة طالوت لما قالوا له متحمسين في حال الهزيمة:{ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[البقرة:٢٤٦]، ماذا قال لهم؟ قال لهم: غداً نأتي لكم بملك، انتهينا نأتي لكم بقائد تقاتلون وراءه، هو خبير، أنبياء بني إسرائيل عانوا الويلات من بني إسرائيل، قال لهم: لحظة قفوا {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}[البقرة:٢٤٦] عسى أن يفرض عليكم القتال غداً، أو يأتي لكم قائد يملك عليكم وبعد ذلك لا تقاتلوا، انطلقت الحماسة {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}[البقرة:٢٤٦] هذا الكلام الآن، لكن حين تأتي إلى الجد {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}[البقرة:٢٤٦].
فإذاً قضية الحماس يرتفع فيها الكلام ثم بعد ذلك ينطفئ لأنه غير مؤسس، وكيف يأتي الأساس أيها الإخوة؟ لا يأتي الأساس من الهواء، إنما يأتي من التربية الإسلامية التي يتلقاها ويتربى عليها الشاب المسلم في وسط إخوانه على منهاج كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، تلك التربية الإيمانية التي تأخذ بما يحيي القلب، العلمية القائمة على الدليل من الكتاب والسنة، الواعية التي تحيط بالواقع علماً، المتدرجة التي تنتقل بالإنسان من حال إلى حال إلى كماله الخاص به من غير قفزاتٍ محطمة.
فإذاً: ينبغي إذا أردنا أن نكون جادين، أن نتعرض لنفحات التربية الإيمانية الإسلامية التي تصقل نفوسنا وتهذبها، أن ننظر إلى إخواننا ممن سبقونا بالإيمان وممن هم أعلى منا شأناً في العلم وفي الفهم، فنقتدي بهم ونتأسى بهم، وقد يقول قائل: عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة، ما حاجتنا إلى قدوات أخرى؟ وحديث الوفد الذين جاءوا مجتابي النمار، فقراء عالة، حفاة، الرسول صلى الله عليه وسلم تأسف لهم وأسف عليهم، وحث الناس- الآن الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة- على التبرع والتصدق لكن الناس لم يتحركوا إلا حين جاء واحد منهم فعلاً بصرة كادت كفه أن تعجز عن حملها، فتصدق فتتابع الناس وراءه، مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة العظيم أعظم قدوة، كان وجود القدوات الأخرى ممن هو أقل شأناً مهماً في عملية تربيتهم على الإنفاق، ولذلك لا بد من القدوات الحية بالإضافة للتأسي والاقتداء بمن سلف من عباد الله الصالحين.