وكان أيضاً مما فعله ابن القيم -رحمه الله- تصديه لتيارات الصوفية المنحرفة من أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد الذين يقولون: الله في كل مكان في الشارع في الخلاء، وأن المخلوقين جزء من الله.
كما قال قائلهم:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهبٌ في كنيسته
كان ابن القيم -رحمه الله- ممن تصدوا للتيارات المنحرفة، ويقول -مثلاً- فاضحاً لهم: سئل الشبلي من المتصوفة متى تستريح؟ قال: إذا ما رأيت له ذاكراً -أي: إذا ما رأيت أحداً يذكر الله، أستريح- لماذا؟ قال: لأني أغار، فلذلك لا أريد أحد يذكر الله -فهذا من الضلال والعياذ بالله- ثم قال: مات ابن له، فقطعت أمه شعرها، فدخل هو الحمام ونور لحيته -يعني: أزال اللحية حتى ذهب شعر هذا الضال- فقيل له: لماذا فعلت هذا؟ قال: إنهم يعزونني على الغفلة، ويقولون: آجرك الله، ففديت ذكرهم لله على الغفلة بلحيتي.
وابن القيم رحمه الله يذكر هذا ويسطره، ويقول: هذه ضلالاتهم فانظروا كيف عملوا! وقال: ونظير هذا ما يحكى عن فلان أنه سمع رجلاً يؤذن، فقال: طعنة وسم الموت، لأنه لا يريد أن يسمع لفظ الجلالة، وسمع كلباً ينبح، فقال: لبيك وسعديك، وسمع الشبلي مرة رجلاً يقول: جل الله، فقال: أحب أن تجله عن هذه ويا عجباً ممن يعد هذا في مناقب رجل! يقول ابن القيم: عجيب أن هذا يعد في مناقب فلان وفلان، ويزين به كتابه وهكذا، وكذلك تكلم على سمنون -وهو من المتصوفة - وكان من غروره أن قال:
وليس لي من هواك بدٌ فكيف ما شئت فامتحني
يقول: يا ألله! مثلما تريد أن تعمل فيَّ أنا مستعد، وأنت فقط اعمل الذي تريد، ويقول: اللهم اجعلني سقف البلاء على خلقك، إذا أردت أن تنزل بلية على الخلق أنزلها عليَّ فأنا مستعد أن أتحمل، فابتلاه الله بحصوة في الكلية، أو بعسر البول، فكان يقفز مثل القرد من الألم، ويطوف على صبيان المكاتب، ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب.