[طريق النجاة من الدجال]
نأتي بعد ذلك إلى طريق النجاة من الدجال، ما هي طريقة النجاة من الدجال وهو يطلع بهذه الفتن العظيمة.
أول شيء ما هو موقف الناس من الدجال إذا ظهر؟ أولاً: إعداد العدة لحربه كما سيفعل المسلمون في ذلك الزمان.
ثانياً: أن الناس سيتفاوتون، فمنهم من يستطيع الوقوف أمام الدجال ومنهم من لا يستطيع، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (من سمع بالدجال فلينأ عنه -فليبتعد عنه- فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث فيه من الشبهات) أي يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: إذا سمع واحد بالدجال فليهرب منه، يقول: إن الرجل يأتيه ويظن أنه مؤمن، وأنه لا يمكن أن يفتن بالدجال، وأنه يعلم أنه دجال، ولكن من كثرة ما يرى منه من الأشياء يفتن به ويتبعه، وهذا الفرار موجه للناس الذين يعلمون من أنفسهم أنهم لن يصمدوا أما الدجال.
أما إذا هجم الدجال على المسلمين وحاصرهم وهاجمهم وباغتهم، فلا بد أن يصمدوا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (فامرؤ حجيج نفسه) كل واحد مسئول عن نفسه.
ثالثاً: الاستغاثة بالله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام: (فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله).
رابعاً: وليقرأ العشر الآيات الأولى من سورة الكهف، فلا بد من حفظها الآن، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام، قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من فتنة الدجال) وأما إذا علم بأنه لن يستطيع الصمود، فإن عليه أن يهرب منه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ليفرن الناس من الدجال في الجبال).
وهنا يوجد درس مهم في قوله عليه الصلاة والسلام: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث فيه من الشبهات) هذا الدرس هو: إذا حصلت شبهات أو شهوات؛ فإن على الإنسان أن يبتعد عن الشبهات والشهوات؛ لأن هناك بعض الناس يقولون: لا نريد أن نتحدث، أعطني الآن أسوء مكان أنا مستعد أذهب إليه، بعض الناس عندهم غرور، فتجده يقول: أنا لا أتأثر بأفسق موسيقى موجودة، هات أنا مستعد أسمعها من أولها إلى آخرها وما أتأثر، فبعض الناس عندهم هذه النفسية، أو يقول: أرني أجمل امرأة موجودة وأنا لن أفتن، أنا أعرف نفسي أنني قوي الإيمان، ولا تؤثر فيني هذه المرأة، أو يقول: هات أسوء فلم موجود، أنا مستعد أراه وإيماني لا يتزلزل، وأنا قوي، ولذلك هذا الحديث يعلمنا حقيقة، أن الإنسان المسلم ينبغي أن يبتعد عن مواطن الشبهات والشهوات، وألا يقول: أنا أذهب وأصمد، لا.
لا تذهب أصلاً، ولذلك بعض الناس يقول: ما فيها بلاد الكفار، أنا مستعد أذهب إلى هناك وأدخل أكبر خمارة، وأكبر بيت دعارة، وأنا مستعد أرجع وأبقى مسلماً، فنقول له: يا مسكين، تضمن نفسك، تظن أنك ملكت هداية نفسك وأنه لا يمكن لأحد أن يضلك، ولذلك الله عز وجل أمرنا بالابتعاد عن أسباب الفتن، وما قال يا أيها الناس امتحنوا أنفسكم وادخلوا في الفتن، هذا ما هو مأمور به أبداً، ما قال يا أيها المسلم: اخلُ بأجمل امرأة في الدنيا واختبر نفسك، هذا منطق شيطاني أعوج لا يمكن للمسلم الحق أن يقبل بهذا أبداً.
وأما إن كان مع المسلمين الذين سيكون لهم إمام وهو المهدي الخليفة العادل، الذي سيظهر؛ فإن على المسلمين في ذاك الزمان أن يكونوا معه، وأن يلوذوا به، وهكذا.
ثم إنه ينبغي أن نعلم أولادنا العشر الآيات الأولى من سورة الكهف التي تعصم من الدجال، وقيل السبب أن هذه الطليعة من السورة فيها ذكر أن الله أمن فتية أهل الكهف من الطاغية الجبار الذي أراد أن يبطش بهم، فأنقذهم منه، فبقيام الإنسان المسلم بحفظه لهذه الآيات، ومعرفة معناها، سيستطيع أن ينجو من الطاغية، وهو الدجال؛ وقيل لأن في هذه العشر الآيات من العجائب والآيات التي إذا وقرت في قلب المؤمن جعلته لا يفتن بالدجال ولا يستغرب منه، لأنه عندما يرى قصة أهل الكهف وكيف نجو؛ فإنه يتذكرها عند مقابلته للدجال.
خامساً: من وسائل العصمة من الدجال: اللجوء إلى أحد الحرمين الشريفين والاعتصام بهما؛ لأن الدجال لا يمكن أن يدخل مكة والمدينة.
سادساً: من الوسائل كذلك وهذا مهم لنا أيضاً: الاستعاذة بالله من فتنة الدجال في الصلاة، فنحن نقول نحن في التشهد قبل السلام: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
أمرنا بالاستعاذة من فتنة الدجال ولا ندري متى سيظهر.
وقد كان طاوس رحمه الله -وهو من علماء السلف - يأمر ولده بإعادة الصلاة إذا ما استعاذ من هذه الأربع ومنها فتنة المسيح الدجال؛ حرصاً من السلف على تربية أولادهم، وتعليمهم على الاستعاذة من فتنة الدجال.
سابعاً: معرفة أسماء الله وصفاته؛ لأن الدجال أعور والله ليس بأعور، إن الله سميع بصير، ليس كمثله شيء، والله سبحانه وتعالى جميل ليس فيه عيب، قدوس منزه عن العيوب والنقائص، من يدرك هذا الأمر الذي وقر في نفسه توحيد الأسماء والصفات نجا، ولذلك سيحرم المعتزلة والجهمية من النجاة من الدجال، وغيرهم من الناس المنحرفين في الأسماء والصفات.
ثامناً: وكذلك تبيين أمر الدجال للناس من أسباب الوقاية منه، وهذا ما ينبغي أن يقوم به العلماء وطلبة العلم والخطباء وغيرهم، والرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: الدجال لم يأت للناس الآن في عهدي، فلا أذكر به، وإنما قام وذكر به في عدة مجالات.
وكذلك تربية الأولاد والنساء والرجال عموماً، وتوعيتهم بهذا، فإنه قد ورد في حديث صححه الهيثمي في مجمع الزوائد: (لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره) أي لا تجد أحداً يذكره ولا يتعرض له، ويترك الأئمة ذكره على المنابر.
إذاً: يظهر الدجال في وقت عم فيه الجهل، حتى إذا صار لا يذكر بفتنة الدجال أصلاً، ولا يطرأ ذكره على المنابر، فعند ذلك يظهر الدجال.