ومن الذين تكلموا عن موضوع فروض الكفاية الشافعي رحمه الله واستدل بقوله تعالى:{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}[التوبة:٣٩] النفير للجهاد والقيام به واجب، هذا فرض على الأمة يجب أن تقوم به لحماية الثغور ونشر الدين، وتحطيم الطواغيت ومقارعة جيوش الكفر لئلا يكون هناك فتنة ويكون الدين كله لله، ولئلا يوجد عوائق تحول دون انتشار الدين.
الجهاد واجب إذا قام به البعض سقط عن الباقين، استدل الشافعي بقوله تعالى {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً}[التوبة:٣٩] أي: أنه إذا لن تنفر الأمة أثمت كلها، ويعذبهم الله عذاباً أليماً، فهو فرض على الأمة -فرض الكفاية- فرض عام على الأمة يجب أن تقوم به, فإذا قام به بعضهم بكفاية سقط الإثم عن الباقين وثبت الأجر لمن انتدب لإيقاعه وإلا أثم، من الذي يأثم؟ أثم من كان يستطيع القيام به فلم يفعل، لأن بعض فروض الكفاية يوجد من المسلمين أناس عجزة لا يستطيعون القيام بها، فإذا لم تقم الأمة بها أثم الجميع، ولكن من المقصود بالجميع؟ المقصود القادر على أن يقوم بالعمل ولم يقم به، وليس المشلول والأعمى، فإنهما لا يأثمان إذا تركوا الجهاد لأن الله عذرهم، وإذا نفر الكفاية حصل المطلوب وأنُقذت الأمة من الإثم، ومن كلام العلماء في فرض الكفاية: أنه ليس فرض الكفاية أن يقوم به البعض كما اتفق أي: على أي صورة حتى لو لم تكون صحيحة مجزئة، وإنما يجب أن يكون هذا البعض قادراً على تحقيقه، فيمكن مثلاً أن يقوم بعض الناس بإنكار المنكرات، لكن عددهم قليل جداً لا يكفي، فهل يكون الإثم قد سقط عن الباقين؟
الجواب
لا.
ليس القضية أن يقام به بأي طريقة، بل لا بد أن يقام به بطريقة صحيحة كافية تغطي العجز وتقوم بالمطلوب، إن لم يحصل فإن البعض الذين قاموا بالجزء من العمل لا يُسقطون الإثم عن الباقين، هم مأجورون ولكن لأنه مازال يوجد عجز فالباقون كلهم آثمون حتى يقوموا بهذا الواجب.
ومن أمثلة فروض الكفاية التي ضربها أهل العلم مثلاً: صلاة الجنازة، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، رد السلام إذا رد السلام واحد أجزأ عن الجماعة، وقال الإمام أحمد رحمه الله عن فرض الكفاية: واجب على الجميع، ويسقط إذا قام به من تقوم به الكفاية ويأثمون إذا تركوه جميعاً، وهذا الإثم مقيد بالاستطاعة والطاقة فغير المستطيع والقادر لا يأثم، ونص على ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ومن القواعد المهمة في فروض الكفاية -هذا الكلام مقدمة قبل الدخول في مسألة المجالات أو الحقول لخدمة الإسلام- لأن المسألة الآن مهمة في تنشيط الكسالى، وإعادة الذين انحرفوا عن جادة العمل وركنوا إلى الدعة والكسل إلى حقل الدعوة والعمل مرة أخرى، وهذه مسألة مهمة.