[اعتقاد أن بعض الناس لا يجب عليهم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم]
ومن الأمور التي توجب الكفر أيضاً: اعتقاد أن بعض الناس لا يجب عليهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه كارثة ومصيبة عظيمة، وذهب إلى هذا غلاة الصوفية والباطنية.
يقول الداعي الإسماعيلي طاهر بن إبراهيم الحارثي اليماني في كتابه " العقد الشريف " وقد حقق كتاب العقد الشريف المفضل الجعفي، يقول -وهو واحد من دعاة الإسماعيلية - حُجج الليل -الإسماعيليون يعتقدون أن هناك حجج الليل- هم أهل الباطن المحض المرفوع عنهم في أدوار الستر التكاليف لعلو درجاتهم.
وكلام رءوس الباطنية والإسماعيلية أشبه بالألغاز؛ لأنهم يخفون عقيدتهم عن الناس، ولذا تجد فيها غموضاً، لكن هذا النص واضح في قضية اعتقاد إسقاط التكاليف، وأن هناك أناساً من أهل الباطن، مثلا: ً العامة من أهل الظاهر وهناك مشايخ من أهل الباطن، هؤلاء المشايخ من أهل الباطن تسقط عنهم التكاليف لعلو درجاتهم، وينسبون إلى جعفر بن محمد الباقر قوله: من عرف الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر، ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر.
ويقول أحد دعاة الباطنيين: من عرف الباطن فقد عمل الظاهر، وإنما وضعت الأغلال والأصفاد على المقصرين.
وسمى التكاليف أصفاداً وأغلالاً، وقال: هذه علينا نحن العامة المقصرين، أما من بلغ وعرف هذه الدرجات التي قرأتها عليك فقد أعتقته من الرق ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر.
وعند هؤلاء أيضاً أن المحرمات عليَّ وعليك نحن العامة مثل الزنا وغيره، أما هم أهل الباطن -هؤلاء المشايخ الكبار- ليس عليهم بحرام، وحتى نكاح الأم ووطء الأخت ليس فيها شيء.
وقالوا بالنص: إذا وصلت إلى مقام اليقين سقطت عنك العبادة، ودليلهم قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن، زعماً منه أنه يحصل لهن البركة مما يفعله معهن، وإن كان محرماً في الشريعة، وكذلك يستحل المردان والتمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم.
يقول: يرتقي من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى وقد يستحلون الفاحشة الكبرى، ويحتجون بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] ويقولون: اليقين هذا العلم والمعرفة، فإذا حصلت سقطت العبادة.
ولو تقرأ كلام بعض الصوفية في هذا الموضوع مثلما ذكره الشعراني صاحب طبقات الأولياء، والنبهاني صاحب جامع كرامات الأولياء سترى العجب العجاب، فمن ذلك ما ذكره العطار عن ذي النون المصري أنه نصح أحد مريديه بترك الصلاة، والعطار الآن ينقل القصة يقول: رجل مصري -وهو من الصوفية - نصح بعض مريديه عنده مشكلة كذا وكذا بأن يترك الصلاة، والعطار يريد أن يوقعها فقال: لو سأل الثاني: ما الحكمة في الأمر بترك الصلاة؟ ف
الجواب
إن الطريق أحياناً -أي: الموصلة إلى الله- تخالف ظاهر الشريعة، كقتل الخضر الولد بدون سبب ظاهر.
إذاً: لا إنكار بالطريقة على مثل هذه الأمور.
يقول: لو قال لك شيخ الطريقة: اعمل محرماً أو اترك واجباً فلا تستغرب، لأنه يمكن أن يكون وصل إلى الله بشيء غير الذي أنت تعرف، فإذا قلت: لماذا؟! قال: الخضر قتل الولد، نقول: الخضر قتل الولد بناء على: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:٨٢] لأنه نبي يوحى إليه، الله الذي أمره بقتله، وأنت من الذي أمرك بترك الصلاة؟ أنت الله أمرك أن تصلي لا أن تترك الصلاة.
وحكي عن العطار -نفسه هذا الصوفي- أنه كان تاركاً للصلاة، وكان يقول: إن الله رفع عني فريضة الصلاة، والشعراني في آخر كتابه الطبقات الكبرى لما ذكر مشايخه في القرن العاشر قال: وفيهم سيدي بركات الخياط رضي الله تعالى عنهم، كان رضي الله عنه من الملامتية والملامتية يظهرون المحرمات ليلوموهم بينما هم في الحقيقة يقصدون إخفاء الولاية.
فمثلاً: عندما يحلق الولي لحيته يلومه الناس، وقصد الولي أن يخفي الولاية عن الناس بلومهم، حتى لا يرائي يرتكب الزنا، أو يشرب كأس خمر، حتى لا يرائي، يخبئ الولاية عن الناس.
فيقول: وفيهم سيدي بركات الخياط رضي الله عنه، وكان من الملامتية، وقد مدحته للشيخ جمال الدين الصائغ مفتي الجامع الأزهر وجماعته فقالوا لما سمعوا مدح الشيخ هذا: لابد أن نزوره، وكان يوم جمعة، فكبر المؤذن على المنارة، فقالوا: نصلي الجمعة.
فقال: ما لي عادة بذلك.
أعاذنا الله! أنا ما لي عادة أن أصلي الجمعة، فأنكروا عليه، فقال: نصلي اليوم لأجلكم، ومنهم سيدي الشريف المجذوب -والجذبة هذه عند الصوفية شيء أساسي، أنه إذا أصابته الجذبة فهذه كرامة- رضي الله عنه كان يأكل في نهار رمضان، ويقول: أنا معتوق أعتقني ربي.
وكان يرى حلال زينة الدنيا كالحرام في الاجتناب، وكانت الخلائق تعتقده -يأتون إليه- ويعدون رؤيته عيداً.
وهذا موجود في العالم الإسلامي، يعني: الشيوخ من هذا النوع.
أيها الإخوة! التكاليف الشرعية مشروطة بالعلم والقدرة، فمتى تحقق العلم والقدرة وجب العمل، ولذلك الذي لا يستطيع لا يكلف كالطفل والمجنون.
ثم أعظم الناس درجة عند الله من هم؟ الأولياء أم الأنبياء؟ أليسو الأنبياء؟ فهل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من عمره ترك صلاةً واحدة أو ترك صوم يومٍ دون عذر؟ ألم يكونوا أشد الناس في الشعائر والنوافل، ومن المعلوم عند العلماء أن من استحل الحرام كفر، فكيف بمن يستحل جميع المحرمات ويترك جميع الواجبات؟؟ ثم الولاية، والولاية بيننا وبين الصوفية ميدان للمعركة، الولاية متى تنال؟ وبأي شيء تنال؟ {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢ - ٦٣] لا يفعلون المحرمات ويؤاخون النساء الأجانب والمردان.
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] ما هو اليقين في تفسير السلف؟! قال الحسن البصري: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت.
إذاً: اليقين هو الموت باتفاق المسلمين والمفسرين.
ثم قالوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٣] أي: أن هذا سبب لدخول جهنم: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:٤٥ - ٤٧] ما هو اليقين؟ الموت {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨].