كان رحمه الله أيضاً واعظاً جيداً، وهذه من الأمور المهمة لطالب العلم، أن يكون بالإضافة لاشتغاله بالعلم مجيداً للوعظ؛ لأن الناس قد لا تتحرك قلوبهم بالمسائل العلمية، فلابد أن تُحرَّك بالوعظ، فقال بحر بن نصير: كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا: اذهبوا إلى هذا المطلبي نقرأ القرآن، فإذا أتيناه استفتح القرآن، فتساقط الناس بين يديه، يكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته، فإذا رآهم كذلك أمسك عن القراءة، وهذه كانت طريقة السلف حتى لا يصاب بالعجب، الواحد منهم إذا أجاد في الشيء، فرأى إعجاب الناس توقف وأمسك عنه.
وكان عابداً، وكان يختم القرآن ختمات كثيرة، وكان يقسم الليل ثلاثة أقسام: الثلث الأول للاشتغال بالعلم، والثلث الثاني للصلاة، والثلث الثالث للنوم، ويقوم إلى صلاة الفجر نشيطاً.
ومسألة أن يكون طالب العلم مشتغلاً بالعبادة مسألة مهمة جداً، وهذا درس عظيم وفائدة بليغة، فإن بعض الناس إذا اشتغلوا بطلب العلم نسوا العبادة، فصارت عبادتهم عادية جداً، كعبادة العوام أو أقل، بل إن بعض العوام في العبادة أحسن من بعض الذين يشتغلون بالقراءة أو تحصيل العلم، وهذا راجع إلى خلل في المنهج، ولذلك لابد أن يكون طالب العلم له حظ كبير من العبادة.
والشافعي رحمه الله وفقه الله لأمورٍ كثيرة، حتى قال بعض أهل العلم: اجتمع للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره، فأول ذلك: ١ - شرف نسبه، وأنه من رهط النبي صلى الله عليه وسلم.
٢ - صحة دينه وسلامة معتقده من الأهواء، وسخاوة نفسه.
٣ - معرفته بصحيح الحديث من سقيمه، وبالناسخ والمنسوخ.
٤ - حفظه لكتاب الله تعالى ولأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفته لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء، وتأليف الكتب.