الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخواني! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فهذه فرصة طيبة أن ألتقي بهذه الوجوه الطيبة في هذه البلدة الطيبة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الطيبين، وأن يرزقنا الفوز بدار النعيم، إنه سميع مجيب.
أيها الإخوة: لعل لقاءنا في هذا المكان يُذكر بتواصل العهد واتباع السنة والتمسك بحبل الله القويم، والسير على منهاج النبوة، هذا العهد الذي أخذه الله تعالى علينا جميعاً في السير على طريق التوحيد، أخذه الله علينا ونحن في ظهور آبائنا، ونحن في ظهر آدم عليه السلام، استخرج الله ذريته كأمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وقد كانت هذه البلاد فيها من أهل الدين والتوحيد والسنة أناس عظماء، ينبغي أن نسير على نهجهم وطريقتهم، ولعلي أستفتح الكلام برسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية تؤكد هذا المعنى: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
من أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية إلى من يصل إليه كتابي من المؤمنين والمسلمين من أهل البحرين -وهذه المنطقة هي المعروفة تاريخياً بـ البحرين - وغيرهم عامة ولأهل العلم والدين خاصة سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، وأسأله أن يصلي على خيرته من خلقه محمدٍ عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، الذي بعثه بالبينات والهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فإن وفداً قدموا من نحو أرضكم، فأخبرونا بنحوٍ مما كنا نسمع عن أهل ناحيتكم من الاعتصام بالسنة والجماعة، والتزام شريعة الله التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومجانبة ما عليه كثير من الأعراب من الجاهلية التي كانوا عليها قبل الإسلام من سفك بعضهم دماء بعض، ونهب أموالهم وقطيعة الأرحام، وخروج عن ربقة الإسلام، وتوريث الذكور دون الإناث، وإسبال الثياب، والتعزي بعزاء الجاهلية وهو قولهم: يا بني فلان، يا لفلان، والتعصب للقبيلة بالباطل، وترك ما فرضه الله في النكاح من العدة ونحوها، ثم ما زينه الشيطان لفريقٍ منهم من الأهواء التي باينوا بها عقائد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وخالفوا شريعة الله لهم من الاستغفار للأولين بقوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر:١٠] ووقعوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقيعة التي لا تصدر ممن وقر الإيمان في قلبه، فالحمد لله الذي عافانا وإياكم مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ونسأل الله العظيم المنان بديع السماوات والأرض أن يتمم علينا وعليكم نعمته، ويوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى من القول والعمل، ويجعلنا من التابعين بإحسانٍ للسابقين الأولين، وليس هذا ببدع، فإن أهل البحرين ما زالوا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل إسلام وفضل، فقد قدم وفدهم من عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم الأشج فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله! إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر -بيننا نحن في شرق الجزيرة وأنت في غربها هذا الحي من كفار مضر- وإنا لا نصل إليك إلا في شهر الحرام، حيث يتوقف القتال عند العرب، فمرنا بأمرٍ فصلٍ نعمل به ونأمر به مَن وراءنا، فقال: آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) ولم يكن قد فرض الحج إذ ذاك، وقال للأشج:(إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: خلقين تخلقت بهما أو خلقين جبلت عليهما؟ قال: خلقين جبلت عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله) ثم إنهم أقاموا الجمعة بأرضهم، فأول جمعة في الإسلام بعد جمعة المدينة، جمعة بـ بجواثى قرية من قرى البحرين.
ثم إنهم ثبتوا على الإسلام لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتد من ارتد من العرب، وقاتل بهم أميرهم العلاء بن الحضرمي -الرجل الصالح- أهل الردة، وله في السيرة أخبار حسان، فالله سبحانه يوفق آخرهم لما وفق له أولهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه إلى آخر الرسالة رحمه الله.
ونحن ننطلق من الدعاء الذي دعا به شيخ الإسلام في رسالته، ونقول: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق آخرهم لما وفق له أولهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.