[أن فروض الكفاية تتعين على البعض]
الثاني: أن فروض الكفاية تتعين على بعض الناس في بعض الأوقات، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في المجلد التاسع عشر في: مجموع الفتاوى قال: وفروض الكفايات تتنوع تنوع فروض الأعيان، يعني مثل الفروض التي فيها صلاة وصيام وحج مثلاً، كذلك فروض الكفايات تتنوع بتنوع فروض الأعيان، ولها تنوع يخصها وهو أنها تتعين على من لم يقم بها غيره، إذا وجد أحد في موقع ورأى ثغرة في المسلمين يجب عليه أن يقوم بها إذا لم يكن هناك من يقوم بها غيره، ربما تجد منكراً أمامك أنت الذي رأيته، سيفوت لو ذهبت تستدعي غيرك مثلاً، يجب عليك أن تنكر أنت بالقواعد والضوابط الشرعية ما لم يترتب عليه منكر أكبر إلى آخر ذلك، المهم أنه في بعض الأحيان والأوقات يكون فرض الكفاية متعيناً على هذا الشخص المعين في الوقت المعين في المكان المعين.
قال شيخ الإسلام: فقد تتعين في وقت ومكان وعلى شخص وطائفة، قد تكون متعينة على شخص، قد تكون متعينة على طائفة وفي وقت آخر أو مكان آخر على شخص آخر أو طائفة أخرى كما يقع مثل ذلك في الولايات والجهاد والفتيا والقضاء وغير ذلك.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله بعده كلاماً في المستحبات، وأنها تتنوع بشكل أبلغ، وأنه قد يستحب في حق فلان شيء أكثر مما يستحب في حق فلان، الذي صوته جميل يستحب في حقه الأذان أكثر من غيره، صاحب الحفظ والإتقان في القراءة ومراعاة أحكام الصلاة يتعين في حقه الإمامة أكثر من غيره، وصاحب الفصل بين المتخاصمين والعلم بالقضاء والقدرة على تمييز الحق من الباطل فهذا متعين عليه القيام بالقضاء أكثر من غيره.
الشخص الذي عنده قدرة على الحفظ والفهم يتعين عليه التفرغ لطلب العلم أكثر من غيره، صاحب الرأي السديد في القتال وصاحب النجدة والمروءة والمسارعة والقوة الجسدية والعقلية والمهارات القتالية يستحب في حقه الجهاد أكثر من غيره وهكذا، وحتى صاحب القدرة على التجارة الذي ينفع المسلمين وليس الذي يغوص في التجارة وينسى العلم والدعوة، وينسى الدين! لا.
وإنما صاحب القدرة على القيام بسد حاجة المسلمين من المال بأن يكون ماهراً بالتجارة قادراً عليها مثلاً، فهذا يتعين في حقه أكثر من غيره، من غير المجربين والذين ليس لهم سابق خبرة بالتجارة.
ومن الكلام الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: الجهاد واجب على الكفاية، لكن وجوبه على المرتزقة الذين يُعطون مال الفيء للجهاد أوكد، الجيوش النظامية الإسلامية التي تُعطى من مال الفيء يعطون مرتبات من بيت المال، لأجل التفرغ للقتال، الجهاد عليهم أوكد هذا كلامه رحمه الله.
فإذاً القضية تتعين على طائفة أو على شخص في زمان أو مكان، هذه القضية تختلف باختلاف الأحوال، وقال رحمه الله: وكذلك أهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة صورة ومعنى، صورة: أي: يحفظون النصوص، القرآن والأحاديث، والمعنى: الفقه في النصوص، وأهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة صورة ومعنى، مع أن حفظ ذلك واجب على الأمة عموماً على الكفاية، واجب عيني على كل مسلم أن يعلم كيف يحج إذا أراد الحج، وكيف ينكح إذا أراد الزواج، وكيف يطلق إذا أراد الطلاق، وكيف يبيع إذا أراد التجارة، هذا واجب عيني على كل واحد أن يعلم، لكن على أصحاب العلم الذين لهم نظر ثاقب وفهم وفقه ودقة وحفظ الإلمام بالأشياء العلمية والتبحر في العلم هذا عليهم أوجب من غيرهم، وجوب ذلك عيناً وكفاية على أهل العلم الذين رأسوا فيه، أو رزقوا عليه أوجب منه على غيرهم، لأنه واجب بالشرع عموماً، وقد يتعين عليهم لقدرتهم عليه وعجز غيرهم، وهذا من أوجه التعيين.
ويدخل في القدرة استعداد العقل وسابقة الطلب.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فروض الكفاية قد يتعين على بعض الناس في بعض الأوقات، ومن قواعد فروض الكفاية: أنه يلزم السلطان ما لا يلزم غيره بشأن فروض الكفايات، أي: واحد عنده قدرة وقوة يلزمه من فروض الكفايات مالا يلزم غيره، هذا شيء طبيعي بدهي، فإن لم يقم به صاحب القدرة أو السلطان وجب على غيره من المسلمين القادرين أن يقوموا به.
ولذلك ابن تيمية رحمه الله في وقت غزو التتار قام بعدد من فروض الكفاية مثل إقامة بعض الحدود هو وتلاميذه رحمه الله، كانوا يجلدون شُرَّابَ الخمور، أقاموا الحدود لما لم تقم في البلد وصارت فوضى؛ نتيجة هجوم التتار وذعر الناس وخوفهم واضطربت الأمور.
كان هو وتلاميذه رحمه الله تعالى ممن يقيمون شرع الله في البلد، وكانوا يقومون بوظيفة السلطان في الحدود؛ لأن أمر الحدود إلى السلطان، لكن لما ذهبت مع ذلك الواقع المختل قام بها شيخ الإسلام رحمه الله وتلاميذه، وأقاموا بعض الحدود.