إن هذه الشهوات المحرمة تخرج العبد من محبة الله، وتخرج محبة الله من قلب هذا الضال، والضدان لا يجتمعان: محبة الشهوات ومحبة الرحمن، فإذا امتلأ القلب من محبة الشهوات فماذا يبقى له نصيب من محبة الرحمن؟ إنه خيار واحد، حدد مصيرك واختر طريقك، وإذا أردت محبة الله ولذة الإيمان فلن تحصل إلا بطرد نصيب الشيطان.
إن الذين تستغرقهم الشهوات المحرمة ويتحولون إلى عبيد لها تأمرهم فيطيعون، وتنهاهم فيخضعون، وإذا رأى الواحد هذه المرأة التي هام بها وأحبها يفعل مثلما فعل ذلك الذي أحب عزة فقال فيها شركاً وكفراً:
رهبان مدين والذين عهدتهم يبكون من حذر العقاب قعوداً
لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لـ عزة ركعاً وسجوداً
نعوذ بالله من الخذلان! قال ابن القيم رحمه الله في حال هؤلاء: فلو خُيِّر بين رضاه -رضا المعشوق- ورضا الله لاختار رضا المعشوق على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعل لربه من ماله إن جعل له كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه ووقته، وخالص ماله، وربه على الفضلة إذا زاد شيء.
قد اتخذه وراءه ظهرياً، وصار لذكره نسياً إن قام في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه وفرح بها، خفيفةً لا يستثقلها ولا يستطيلها، ولو نظرت في أشعار العاشقين والعاشقات وما يغني به المغنون والمغنيات لترى الأدلة على ذلك، اقرأ ما يكتبه هؤلاء من الأبيات والعبارات، وتأمل واعتبر بما يصنع الشيطان في أهل العشق والشهوة المحرمة هل يستحق هذا الهوى والغرام أن تختصر فيه الحياة كلها؟