للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصدع بالحق وإعلان المبادئ]

أيها الإخوة: إن من الملامح الأخرى المعاصرة لما نشاهده اليوم ولما نعيشه، أننا الآن في مرحلة صدع بالحق، ومرحلة إعلان مبادئ، ومرحلة توضيح الأفكار الإسلامية، ومرحلة عرض التصورات الشرعية، وهذا العرض لابد أن يكون بأنواع البيان باللسان والقلم، وبجميع الوسائل، لابد أن توضح تصورات الإسلام.

نحن الآن في معركة أفكار، وفي صراع تصورات مع الجاهلية، صحيح أننا لا نقوى على المواجهة بالسلاح في هذه المرحلة، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، ورحم الله مجتمع الدعاة إذا عرفوا طبيعة المرحلة.

فنحن الآن نقارع الجاهلية، ونقارع مفكريهم، وأساطين الكفر ومتكلميهم، ونقارع كل من لديه شبهات ومبادئ جاهلية، نقارعه باللسان وبالقلم، نحن الآن نعيش في صراع فكري، يجب أن نرد على الشبهات، ويجب أن نواجه، وأن ندحض الأفكار الأخرى، ونعلن الحق، ونصدع بالدين، ونبين تصوراتنا للناس، ينبغي إعلان هذا الإسلام، وتوضيح جميع جوانب الإسلام للناس، ولابد أن يكون الإسلام منهج حياة واضح للناس.

لا يكفي أن نقول للناس: إن الدين هو شعائر تعبدية في المساجد، وهو أذكار تتلى في الصباح والمساء، وبر الوالدين وصلة الرحم، لابد أن نوضح طبيعة هذا الدين، وجميع جزئيات هذا الدين، نحن أمناء على الشريعة، لابد أن نبلغها للناس نبلغها كما أنزلها الله عز وجل، لا نبلغ أجزاء وقطع، نحن نبلغ الدين كاملاً، ولابد أن نشتغل بتبليغ الدين بقوة.

إن أعداء الله يطرحون أفكارهم ليلاً ونهاراً في جميع الوسائل، ولا تخرج مطبوعة ولا فيلم، ولا وسيلة من الوسائل الإعلامية، إلا ويطرح أعداء الله فيها أفكارهم وشبهاتهم، فماذا فعلنا نحن من أجل مواجهة هذه الأمور، ولا يجب أن نقف في موقف المدافع، بل يجب أن نغزوا بالأفكار الإسلامية عقول العالمين، ينبغي أن نغزوا بتصورات الشريعة الإسلامية أفئدة العالمين، هذا دين عالمي دين ليس لقطرٍ ولا لبلد، هذا دين عالمي أرسل الله نبيه للعالمين بشيراً ونذيراً لكل الأرض.

ولذلك لو وجدت إنساناً من أي بلد فأنت مكلف أن تبلغه هذا الدين بالطريقة المناسبة، وبالأولوية الشرعية الصحيحة.

إن هذا الدين دين لكل أهل الأرض، ليس ديناً إقليمياً، ولا يحده وطن ولا بلد معين، دين عالمين ينبغي أن ينشر لجميع أهل الأرض.

أيها الإخوة: من هذا المنطلق نقول: إننا كمستضعفين الآن لا نستطيع إعلان الجهاد على أهل الأرض؛ لأننا لا نملك مقومات المواجهة العسكرية مع الكفار، لكننا نملك إسلاماً بمبادئ وتصورات يجب أن نبلغها للناس، انظر لإبراهيم عليه السلام كان مستضعفاً في قومه لم يكن عنده جيش ولا سلاح لكنه برز على قومه وناقشهم وأفحمهم وأسكتهم، قال تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} [الأنعام:٨٠] نظر إلى الشمس والكواكب والقمر، وجلس يقول: هذا ربي، من باب التنزل مع الخصم في النقاش، أي: كأنه يقول: نفترض أن هذا هو الرب: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام:٧٦] {قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام:٧٧] {فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ} [الأنعام:٧٨ - ٧٩].

يعلم التوحيد أصلاً، ولكنه في نقاش معهم، ومع أبيه {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} [مريم:٤٣ - ٤٥] نقاش مع أبيه ومع المجتمع ومع الملك، يقول للملك: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:٢٥٨] {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام:٨٣].

إبراهيم ظهر عليهم بالحجة والبيان، وهذا ما ينبغي أن تفعلوه الآن أنتم يا أبناء الإسلام، فإن الإسلام الآن يتعرض لهجمات فكرية شرسة، يتعرض لسهام توجه إليه، عليكم أن تكسروا هذه السهام وتردوها، وتغزوا بأفكاركم الإسلامية أفئدة العالمين.

أيها الإخوة: يجب أن نقتدي بقوة وجرأة ووضوح فكرة إبراهيم في عرض الحق.

ويجب أن يكون عندنا هذه المقدرة لنبين، ولابد أن تكون بجميع الوسائل.

ينبغي أن تكون الدعوة الإسلامية في العالم بوسائل تكافئ الوسائل التي يستعملها أعداء الدين في الهجوم على الإسلام، وبعض الناس لو قلت له: ما هي الوسائل لديك لتبليغ الدعوة؟ ربما لا يزيد عن: الخطب والمواعظ فقط، لكن أعداء الإسلام عندما وجهوا سهامهم لأفئدة المسلمين وعقولهم، لم يوجهوها بالخطب والمواعظ فقط بل إذاعاتهم تبث مواعظ وخطب تبشيرية، وعندهم قساوسة يخطبون بالمسلمين، وينادون بالأب والابن وروح القدس، ولم يقتصر عملهم على هذا فقط، بل استخدموا جميع القنوات والوسائل، وأنواع المطبوعات، والوسائل المرئية، والمسموعة، والمقروءة، يستخدمون جميع أنواع البث، فنحن أبناء الإسلام ينبغي علينا أن نكافئ هذه الوسائل بوسائل أخرى، وقد يقول البعض: إننا لا نملك مثل إمكاناتهم، وهذا صحيح إننا لا نملك أقماراً صناعية، ولا نملك وسائل بث مباشر؛ لكن هل استخدمنا جميع الوسائل المتاحة؟ أيها الإخوة: إن وسائل الدعوة تحتاج إلى تطوير لمكافئة ومواجهة هذه الحملة الشرسة، فهل ابتكرنا واستخرجنا جميع ما في جعبتنا من الوسائل التي نكافئهم بها؟ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] لكن ليس عندنا إلا الخطب والمواعظ! نعم إن الدعوة الآن تعيش نوعاً من الانتعاش في الوسائل الإعلامية التي ابتكرها بعض الدعاة إلى الله، مثل فعل الكتيب الإسلامي والشريط الإسلامي، وهي وسائل مهمة من الوسائل الإعلامية للدعوة، تنقل بها الأفكار والتصورات، وتوضح بها المواقف، ويرد فيه على أعداء الله وسيلة يتربى عليها أبناء المسلمين، وتكشف فيها المؤامرات على الإسلام؛ لكن المسألة لازالت تحتاج إلى تطوير في هذه الوسيلة وفي غيرها من الوسائل تحتاج لتطوير في الطباعة والنشر والتوزيع، والوصول إلى المنافذ كلها، ويحمل ذلك أبناء الإسلام، لا يجوز لنا أن نعيش بوسائل بدائية في حمل الأفكار الإسلامية، لابد من دراسة وتخطيط، وإعداد للوسائل الفعالة، وإذا نظرت إلى المشاريع التجارية لا بد لها من دراسة لجدواها الاقتصادية، وخطط لكل شيء، من تكلفة المشروع، والعمالة، والمواد المستهلكة، والآلات، والأشياء المجلوبة من الخارج، والضرائب عليها، أليست الدعوة أولى بهذه الدراسات وهذا التخطيط من المشاريع التجارية؟ أيها الإخوة: حقاً إننا لازلنا نعيش في مرحلة بدائية، والواجب علينا أن نرتقي بهذه الدعوة مراحل إلى الأعلى وإلى الأمام، ينبغي أن تستغل جميع الإمكانات المتاحة في نشر الدعوة.

أيها الإخوة: إن إعلام الكفرة منظم ومدروس، ومؤتمرات المبشرين على درجة متناهية من الدقة، فماذا فعلنا نحن أبناء الإسلام من أجل ذلك؟ مرة من المرات جلب لي أحد الإخوان ملف مؤتمر تبشيري عُقِدَ في أمريكا من أجل دراسة أوضاع المبشرين في العالم، والبقع التي يراد غزوها، وماذا حصل حتى الآن؟ مناقشة ومراجعة لما حصل، وتقويم للوضع، وإعدادٌ للمستقبل، ويأتون بالأرقام الدقيقة، وأماكن تجمع المسلمين، وأعداد المسلمين في كل ولاية، وما هي نوعياتهم وأجناسهم؟ وما هي لغاتهم وأعمالهم؟ هل هم طلبة، أم فنيون وعمال، أم مهندسون وأطباء؟ ونحو ذلك إحصائيات دقيقة من أجل وضع الشرائح التي سيوجهون إليها سهامهم.

ويقول لك: دراسة حالة واقعية، قام المبشر فلان الفلاني بعرض النصرانية على الطالب فلان الفلاني، من بلد كذا من بلدان العالم الإسلامي، يدرس الهندسة الفضائية أو هندسة الطيران، وأعطاه نشرة كذا وكذا في النصرانية، وفتح معه موضوع كذا وكذا، وأعطاه في الأسبوع الأول كذا، والأسبوع الثاني والثالث والرابع كذا، وانتهت المسألة بفشل المبشر، والشاب المسلم بقي على إسلامه ما هي أسباب فشل المبشر؟ أولاً ثانياً ثالثاً رابعاً، دراسة دقيقة لأسباب الفشل، يدرسون حالات واقعية من النجاح والفشل، ويجربون مراراً وتكراراً، بوسائل لا نقول: إنها وسائل معقدة جداً وتكنولوجية ولا يمكن أن نستوردها ونأخذ بها! لا، إنما هي أشياء فيها أنواع من التنظيم الدقيق والترتيب المدروس.

ينبغي علينا أبناء الإسلام ألا تكون تصرفاتنا عشوائية، وجهودنا مبعثرة، لابد أن يكون عندنا ارتقاء وتطوير في الأساليب؛ من أجل إنجاح هذه الدعوة.

إنما حصل من نشر الكتاب والكتيب، والشريط والمجلة، والنشرة نجاح طيب، لكنه لا يكفي، فالإسلام دين عظيم يحتاج لوسائل أعظم من هذه.