[مصطلحات متداولة بين الناس في الميزان]
أيها الإخوة! في هذا العصر الذي نعيش فيه عمَّ الجهل وقلَّ العلم، واختلطت الحقائق وخفيت، واندرس العلم، واندرست الحقائق الإيمانية -اندرست أي: اندثرت- وكادت أن تزول، فخفيت معالم الهدى واختلط الحق بالباطل، فلذلك تجد كثيراً من التعريفات والمصطلحات المتداولة بين الناس يعرفونها بتعريفاتٍ غير شرعية، وهي غير مقصود منها في الدين هكذا كما يعرفونها، لذلك كان لا بد من إلقاء الضوء على هذه المصطلحات التي تدور على ألسنة الناس اليوم قبل الخوض في الموضوع.
فمثلاً: ما هو تعريف الوسط؟ ما هو تعريف الغلو؟ ما هو تعريف التطرف؟ ما هو تعريف الإسلام؟ ما هو تعريف التقوى؟ ما هو تعريف الإيمان؟ ما هو تعريف العبادة؟ ما هو تعريف الالتزام؟ لماذا هذه التعريفات مهمة؟ لأنك إذا سألت أي أحدٍ من هؤلاء المذنبين العصاة المبتعدين عن الدين، وقلت له: أأنت تعبد الله؟ سيقول لك: نعم، أنا أعبد الله، فتقول له: لماذا أنت الآن مبتعد عن أحكام الدين ومقصر في كذا وكذا وكذا، ولا تكن مثل هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم والتزموا بأحكام الإسلام؟ فيقول لك: هؤلاء أناسٌ مغالون ومتطرفون ومتشددون.
أنا أحب الوسط أنا أريد أن أكون وسطاً لا أريد أن أكون مزوداً ولا منقصاً في الموضوع، أنا أريد أن أكون وسطاً.
إذاً ما هو تعريف الوسط؟ إذا طرحت هذا الموضوع: (تعريف الوسط) وما هي (الوسطية)؟ تبين لك الحق وانهزم الباطل.
نحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على الوسط، وهذه الأمة هي الأمة الوسط، فالوسط هو الذي بين الإفراط والتفريط، هذا الوسط هو الذي يحتج به كثيرٌ من العصاة اليوم بأنهم يمثلونه، هذا الوسط هو طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها في أبواب العقيدة، وفي أبواب المعاملات، وفي أبوابٍ كثيرةٍ جداً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان عيشه وسطاً.
إذاً: الناس اليوم يخطئون في تعريف الوسط، ولا يدرون ما هو الوسط؛ نظراً لاضطراب المفاهيم والمفهومات في عقولهم.
ما هو الاعتدال؟ بعض الناس يقول: أنا أريد أن أكون معتدلاً، لا أريد أن أزيد، ولا أنقص! الاعتدال: هو أن تعرف الأوامر وتمتثلها، وأن تعرف النواهي وتجتنبها، وبهذا تصبح إنساناً معتدلاً وسطاً.
ولما قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:٣٢] الظالم لنفسه: الذي يترك أداء الزكاة، ويترك الصلاة، ويفرط فيها، ويفرط في النهي عن المنكر، والأمر بالمعروف، وبر الوالدين.
ومنهم النوع الثاني: مقتصد يمتثل الأوامر ويترك النواهي، لكن لا يزيد في أبواب الخير والبر والإحسان على هذه الأشياء، فقط يفعل الأوامر من الصلاة، والزكاة، والصيام، وبر الوالدين إلخ، ويترك النواهي؛ لا يزني ولا يسرق، ولا يغش، ولا يكذب، ولا يظلم وهكذا، لكنه قد لا يزيد في أعمال البر؛ فلا يخرج الصدقات، ولا يقوم الليل كثيراً، ولا يكثر من الاستغفار وذكر الله عز وجل فهذا مقتصد.
والنوع الثالث: سابقٌ بالخيرات، وهو الذي يفعل الأوامر وينتهي عن النواهي والمنكرات، ويزيد على ذلك في أبواب الخير والبر والإحسان أشياء عظيمة، فلذلك قال بعض أهل العلم: إن هذه الآية تمثل أنواع المسلمين، وليس في أحدهم، فالظالم لنفسه هو الذي يرتكب المنكرات وهو لا يزال مسلماً قائماً بالأمور التي تجعله مسلماً، لكنه مفرط مقصر مثل أغلب الناس اليوم.
فإذاً مفهوم الالتزام عند الناس تغير مفهوم العبادة تغير مفهوم الاستقامة تغير، قال سبحانه وتتعلا لرسوله عليه الصلاة السلام: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:١١٢] والرسول صلى الله عليه وسلم قال لأحد أصحابه، لما سأله أن يوصيه: (قل آمنت ثم استقم).
قال النووي رحمه الله: قال العلماء معنى الاستقامة لزوم طاعة الله تعالى، هذه هي الاستقامة.
والعبادة: اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال.
الإيمان تصديقٌ بالجنان، ونطقٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان.
وهذه العبادة على أربع مراتب: قول القلب: وهو التصديق، وقول اللسان: وهو النطق بالشهادتين وذكر الله عز وجل، وعمل القلب: وهو التوكل والإنابة والمراقبة والحياء والخوف والرجاء، وعمل الجوارح: مثل الجهاد في سبيل الله، والصلاة، والحج إلخ.
ما هو تعريف العبادة؟ كثيرٌُ من الناس لا يعرفون تعريف العبادة.
ما هو تعريف الإيمان؟ كثير من الناس لا يعرفون تعريف الإيمان.
لماذا نقول هذا الكلام؟ لأن الناس عندما نقول لهم: يجب أن تكونوا مؤمنين، والله أمرنا أن نكون مؤمنين وأن نعبده: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم:٦٥] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، والله أمرنا أن نستقيم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:١١٢].
والله أمرنا أن نكون مسلمين؛ فما هو تعريف الإسلام؟ ما هو تعريف الشهادتين؟ الشهادة: كلمة (أشهد) تتضمن التصديق بالقلب، والنطق باللسان، والعمل والصبر على ما تلاقي في سبيلها، وإذا لم تفعل هذه الأشياء؛ لا تسمى شاهداً ما شهدت أن لا إله إلا الله، ولا شهدت أن محمداً رسول الله.
إذاً: أيها الإخوة! هذه المصطلحات، وهذه الكلمات وتوضحها في عقول الناس أمرٌ مهمٌ جداً، حتى ندخل بعد ذلك في قضية الالتزام، فكثيرٌ من الناس اليوم لا يرون حال الملتزمين بالدين والمتمسكين وسطاً؛ بل يرونه تطرفاً وغلواً، ويرون أنفسهم هم الوسط والمعتدلون، وعلى أحسن الأحوال يرون أنفسهم مقتصدين، ويرون غيرهم سابقين بالخيرات من الملتزمين، لكنه لا يمكن أن يفكر أبداً أنه ليس متوسطاً وليس ملتزماً.