وكان زاهداً أقبلت عليه الدنيا فتركها وأخذ كفايته حتى لا يحتاج إلى الناس، وربما اشتغل ببيع وشراء لأجل ألا يحتاج إلى الناس ولا يمد يده، وكان له وصايا في الزهد، فكان يقول: ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن، ولكن قصر الأمل وارتقاب الموت.
وكان يوصي من يخرج في سفر ألا يخرج مع من هو أغنى منه، فيكون إن ساويته بالنفقة أضر بك، إذا أنفقت مثله وهو أغنى منك أضر بك، وإن أنفقت أقل منه ظهرت كأنك بخيل، فاخرج مع من هو مثلك.
وأما إنكاره للمنكر فكان شائعاً كثيراً، قال شجاع بن الوليد: كنت أحج مع سفيان فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهباً وراجعاً.
وكان استشعاره لمسئولية إنكار المنكر عظيمة، وخصوصاً الشيء الذي لا يستطيع تغييره، فعن سفيان قال: إني لأرى الشيء يجب عليَّ أن أتكلم فيه فلا أفعل فأبول الدم.
وعن ابن مهدي قال: كنا مع الثوري جلوساً بـ مكة، فوثب وقال: النهار يعمل عمله قوموا نعمل، الجلوس إذا كان مضيعة للوقت لا خير فيه.
وتواضعه كان عجيباً، وإزراؤه على نفسه كان كثيراً، قال ابن مهدي: بت عنده فجعل يبكي فقيل له عن سبب بكائه، فقال: لذنوبي عندي أهون من ذا -ورفع شيئاً من الأرض- ولكني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت! كان يخشى الله عز وجل في علمه وعمله، وهذه صور من التقوى والورع، وما خفي علينا ولم ينقل إلينا أعظم بكثير.