يقول نصر بن عاصم الليثي أتيت اليشكري في رهطٍ من بني ليث، فقال: قدمت الكوفة، فدخلت المسجد، فإذا فيه حلقة كأنما قطعت رءوسهم من خفض الرءوس والخشوع والصمت، يستمعون إلى حديث رجلٍ، فقمت عليهم، فقلت: من هذا؟ قيل حذيفة بن اليمان، فدنوت منه فسمعته يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر في الحديث المعروف.
إذاً يلزم وجود سكينة في المجلس الذي يقرأ فيه حديث النبي عليه الصلاة والسلام، وعندما يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}[الحجرات:٢] فإننا ونحن بعده ولم ندركه حياً عليه الصلاة والسلام نستطيع أن نطبق ذلك؛ بحيث نسمع حديثه يقرأ في مجلسٍ بدون أن يكون منا رفع صوت، فإذا لم يكن بين أظهرنا حياً بجسده فلنحترمه في عدم رفع صوتنا فوق صوته، فلا أقل من أن نسكت وننصت عندما يقرأ حديثه.
أهل الحديث هم أهل الرسول وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
فهذه أنفاسه التي بلغت إلينا، وحديثه ينبغي أن يسمع باحترام وتوقيرٍ وإجلال، لقد كانت الحلق تزيد الإيمان، ويحصل فيها من الخشوع ما يحصل، ويكون ذلك أحياناً بكلمة يسيرة، ولا يشترط أن تكون موعظة طويلة، يقول محمد بن واسع: كنت في حلقة فيها الحسن ومطرف وفلان وفلان، فتكلم سعيد بن أبي الحسن، حتى إذا قضى كلامه دعا، فقال في دعائه: اللهم ارض عنا ثلاثاً، فقال مطرف: اللهم إن لم ترض عنا، فاعف عنا، قال: فأبكاهم مطرف بهذه الكلمة.