عباد الله، يا عباد الله لا تصلح الإقامة على الجهل ألبتة، وإنما ينبغي السعي في الطلب حتى يصل الإنسان بالمجاهدة إلى مرحلة اللذة في الطلب، أولها: مؤلم وآخرها لذيذ.
قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ فقال: أسمع بالحرف- أي: بالكلمة من العلم- لم أسمعها من قبل؛ فتود أعضائي أن لها آذاناً تتنعم بهذه الكلمة كما تنعمت بها أذناي! قيل له: كيف طلبك للعلم؟ فقال: كطلب المرأة التي أضاعت ولدها وليس لها ولد سواه.
كانوا رحمهم الله يقسمون الأوقات، يقول الخطيب: واعلم أن للحفظ ساعات ينبغي لمن أراد التحفظ أن يراعيها.
وللحفظ أماكن ينبغي للمتحفظ أن يلزمها، فأجود الأوقات للحفظ الأسحار، ثم بعدها وقت انتصاف النهار، وبعدها الغدوات- أي: أول النهار- دون العشيات، وحفظ الليل أصلح من حفظ النهار للهدوء والسكون فيه.
قيل لبعضهم: بما أدركت هذا العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح.
وقال الخطيب: وكل موضع بعيد مما يلهي لا خضرة ولا أشكال ولا جمال ولا ألوان ولا أصوات لا يصلح الحفظ كما يقول: على شطوط الأنهار ولا على قوارع الطريق ولا بحضرة النبات والخضرة، ينتقون الأوقات وينتقون الأماكن لأجل طلب العلم، ومواصلة بعد مواصلة.
ورئي مع أحمد العالم الجليل محبرة وقلم فقيل له: أنت إمام المسلمين ولا زلت تحمل المحبرة وتكتب؟! فقال الإمام أحمد -شعار أهل الحديث تلك العبارة-: مع المحبرة إلى المقبرة.
وهكذا كانوا رحمهم الله تعالى، ولذلك صاروا علماء أجلاء، فالمسألة أولها صعب، أولها مؤلم، أولها ممل، تحتاج إلى جلد ومصابرة حتى تأتي اللذة، فإذا جاءت اللذة انفرجت الأمور ووصلنا، نحتاج إلى أن نطلب العلم شباناً وشيبة، كهولاً كباراً وصغاراً، هذا باب لابد من ولوجه والسعي إلى تحصيله بالشيوخ والكتب والأشرطة وسائر الوسائل المتاحة التي فيها العلم: الفقه، التفسير، الدين، الحديث، وإلا كنا هملاً لا فرق بيننا وبين هؤلاء البهائم الذين يعيشون لدنياهم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وأن يعيننا على طلب العلم وييسره لنا، وأن يذلل الطريق والمصاعب حتى يرتفع فيه الكعب وتعلو الدرجة إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.