للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زين العابدين وصدقته في ظلمة الليل]

وهذا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كان يدخل المجلس فيشق الناس حتى يجلس في حلقة عبد من العبيد مولىً من الموالي هو زيد بن أسلم وهو من هو؟ زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان يقول له نافع بن جبير: غفر الله لك أنت سيد الناس، وتأتي حتى تجلس مع هذا العبد، فقال علي بن الحسين: العلم يبتغى، ويؤتى، ويطلب حيث كان، وكان يقول: يا أهل العراق! أحبونا حب الإسلام، ولا تحبونا حب الأصنام.

وكان يتذلل إلى الله تعالى بفناء الكعبة، وإذا أحرم ولبى ربما غُشي عليه، وإذا صلى أخذته رعدة وهيبة ممن يناجي، وكان يحمل الخبز في الليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة، وربما قال: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب.

وكان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين يأتي معاشهم، يأتيهم الطعام ولا يدرون المصدر، فلما مات علي بن الحسين فقدوا الطعام، فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم بالليل، ويضع الطعام على باب بيوتهم، ولما مات وجدوا بظهره أثراً مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل، ولما مات وجدوه يعول مائة بيت، وهو لما حج هشام بن عبد الملك قبل أن يتولى الخلافة كان إذا أراد أن يستلم الحجر زُوحم عليه، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرقوا عنه إجلالاً له فوجم هشام وقال: من هذا فما أعرفه؟ فأنشأ الفرزدق وكان حاضراً يقول:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم

إلى أن قال:

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا

وهو النبي صلى الله عليه وسلم.