مسألة مهمة: هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟ إن غلاة الصوفية -أيها الإخوة- كما تقدم في الدرس الماضي، جعلوا من مصادر التلقي المنامات.
كل أهل السنة والجماعة مصادر التلقي عندهم الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والقياس؛ أعني قياس عير المنصوص عليه على المنصوص عليه في الكتاب والسنة.
الصوفية عندهم كما ذكرنا (الكشف) يقولون: انكشفت لنا الأستار، ورأى القطب (الولي الأعظم) اللوح المحفوظ ورأى ما هو مكتوب فيه، الذوق والوجد والمنامات، ورأى الخضر، وطلع المقبور فحدثه بأشياء، ويعتبرون ذلك تشريعاً ويقول: أنا أخذت الورد الفلاني والصلاة النارية على فلان الفلاني، خرج من قبره وحدثني به، هذا مصدر عندهم للتشريع والتلقي، وينبني عليه أحكام وفيها فضائل.
بالنسبة لـ أهل السنة، ليست الرؤى عندهم مصادر التلقي، والمنامات والرؤى على فضلها لا تؤخذ منها أحكاماً شرعية، ولا يمكن أن يقول عالم من علماء أهل السنة: إن الشيء الفلاني حرام، والدليل رؤيا رأيتها وفيها كذا كذا، أو يقول: الشيء الفلاني مباح، والدليل رؤيا رأيتها وهي كذا كذا، هذا ليس في دين الإسلام فإذاً غير رؤى الأنبياء لا يمكن أن يؤخذ منها أحكام، رؤى الأنبياء حق ووحي يؤخذ منها أحكام، أما رؤى الناس بشارات، وأخبار عن أشياء تقع في المستقبل، وهكذا.
وليست مجالاً ولا مأخذاً للأحكام، فقد يقول قائل: أليس الأذان شرع بالمنام؟ وأليس عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب رأيا الأذان؟ نقول: نعم.
لكن متى صار الأذان من الدين لما رآه عبد الله بن زيد ورآه عمر أو لما أقره النبي عليه الصلاة والسلام؟ لما أقره عليه الصلاة والسلام، ولذلك ما كانت رؤيا عبد الله بن زيد بمفردها تشريعاً، وإنما بإقرار النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، وحتى لا يقطع بها في مسائل كمثل رؤية الهلال، قال النووي رحمه الله: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان، ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: الليلة أول رمضان، أي: ليلة ثلاثين شعبان، لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره، فإذاً المنامات لا يؤخذ منها الأحكام الشرعية.