للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشابهة النكاح السري للزنا]

ثم قال رحمه الله: فإن قدر فيه خلاف، وكتما ذلك، فهذا مثل الذي يتخذ صديقة، ليس بينهما فرق ظاهر معروف عند الناس يتميز به عن هذا.

إذاً: الذي يتزوج امرأة ولا يعلن ذلك أمام الناس، ما الفرق بينه وبين الزاني؟ ليس هناك فرق، والإسلام يمنع كل ما يجلب ريبة إلى المسلم، ويريد أن يكون أمر المسلم واضحاً للناس، وألاَّ يتلبس بشيء يسيء إلى عرضه، ويجعل الناس يتكلمون فيه، قال: فهذا مثل الذي يتخذ صديقة، ليس بينهما فرق ظاهر معروف عند الناس يتميز به عن هذا، فلا يشاء من يزني بامرأة صديقة له إلا قال: تزوجتها، ولكن إذا أعلن يقول الناس: فعلاً تزوجها، وإذا لم يعلن يستريب الناس في أمره، هل هو كاذب أم لا؟ ولا يشاء أحد أن يقول لمن تزوج في السر: إنه يزني بها إلا قال ذلك، لأنه ليس عنده دليل ولا سمع ولا أعلن النكاح، فيتهمه، فلا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق مبين، والفرق المبين هو الذي يعني به -رحمه الله تعالى- إعلان النكاح، ولذلك قال: فقيل: الواجب الإعلان فقط، سواء أشهد أم لم يشهد، كقول مالك وكثير من فقهاء الحديث وأهل الظاهر وأحمد في رواية، والأحسن والأفضل وخروجاً من جميع الاشكالات -كما تقدم- أن يشهد عند العقد، ويعلن النكاح بعده، فإذا أشهد عند العقد، وأعلن النكاح بعده؛ فإن ذلك يكون صحيحاً عند جميع العلماء، ولا شك ولا ريبة في هذا النكاح، وهذا الذي ينبغي أن يكون.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا بدينه مستمسكين، وبسنة نبيه عاملين، وأن يرزقنا العفة والعفاف، وأن يباعد بيننا وبين الحرام، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، سبحانه وتعالى، يحكم ما يشاء ولا معقب لحكمه وهو الحكيم الخبير، يفعل ما يشاء ويحكم ما يشاء سبحانه وتعالى، أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالعدل، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول -رحمه الله- في تكملة كلامه في مسألة إعلان النكاح: وقد روي عن ابن عباس: [((مُحْصَنَاتٍ)) [النساء:٢٥] أي: عفائف غير زوانٍ، ((وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)) [النساء:٢٥] أي: أخلاء، كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا، ويستحلون ما خفي -كان عند أهل الجاهلية أن الزنا إذا خفي فليس بعيب، وإذا صار علناً فهو عيب- فقال الله: ((مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)) [النساء:٢٥]].

فالمسافحات: المعلنات بالزنا، والمتخذات أخذان: المسرات بالزنا، فقال ابن عباس رضي الله عنه: [المسافحات: المعلنات بالزنا، والمتخذات أخذان: ذوات الخليل الواحد] قال بعض المفسرين: كانت المرأة -أي: في الجاهلية- تتخذ صديقاً تزني معه، ولا تزني مع غيره، ويعتبرون ذلك أمراً لا شيء فيه، فالله سبحانه وتعالى قال في الكتاب العزيز مبيناً حكم الزنا بجميع أنواعه، ما صار منه علناً، وما كان منه سراً: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:٢٥].

لا معلنات ولا غير معلنات، لا بغي زانية مع الجميع، ولا مع شخص واحد، كله حرام، وكثير من الزناة في هذا الزمان لم تقع آذانهم على هذه الآية ألبتة ولا عرفوا معناها، وبعضهم كذلك يرتبط بالحرام بامرأة بغي، ويقول: إنها لا تزني مع غيره، وهل إذا كانت لا تزني مع غيره، يكون أمراً مباحاً؟! ((غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ)) [النساء:٢٥] ذكروا بهذا كل من يقع في الفاحشة، ((وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)) [النساء:٢٥] لا البغايا المعلنات المتعدّدات والمعددات، ولا ذوات الخليل الواحد.

وذكروا أن الزنا في الجاهلية كان على نوعين: ١ - نوع مشترك.

٢ - نوع مختص.

٣ - المشترك ما يظهر في العادة، بخلاف المختص فإنه مستتر في العادة، ولما حرم الله الزنا المختص الذي لا يزني إلا بواحدة، وهو شبيه بالنكاح، فإن النكاح تختص فيه المرأة بالرجل، ومن فقه شيخ الإسلام يقول: لما شابه الزنا المختص بامرأة معينة، ورجل معين، وجب الفرق بين النكاح الحلال والحرام من اتخاذ الأخدان، والفرق هو فصل ما بين الحلال والحرام -الحلال النكاح والحرام الزنا- بالضرب بالدف، وإعلان النكاح.

فذهب شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى وجوب الإعلان، وقال: فلهذا كان عمر بن الخطاب يضرب على نكاح السر؛ إذا سمع بنكاح سري ضرب عليه، فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان، وشبيه به، لاسيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود.