[فوائد الشدائد]
وهذه الشدائد التي تصيب المسلم في حياته بشتى الصور، لا بد لها من فوائد، فإن للشدائد فوائد بالرغم من أنها مكروهة للنفس، فمنها: أولاً: أن الله يكفر بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات، ويدفع الكربُ المكروبَ إلى التوبة، ويلجأ إلى الله وينكسر بين يديه، وهذا الانكسار أحب إلى الله من كثير من العبادات؛ أن ينكسر المخلوق لله سبحانه، وأن يشعر بذله أمام الله، وأن يشعر بحاجته إلى ربه وافتقاره إلى خالقه، فينقطع إلى الخالق ويترك المخلوق، وهنا يتحقق التوحيد ويتنقى من أدران الشرك بأنواعها، ويخلص الإنسان لربه.
وقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعية إذا نزل بنا الكرب واشتدت الأمور وضاقت علينا الأرض بما رحبت، فقد جاء في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم) وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: (يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث) وقال عليه السلام لـ أسماء بنت عميس: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئا) وقال عليه الصلاة السلام: (من أصابه هم أو غم أو سقم أو شدة فقال: الله ربي لا شريك له، كشف ذلك عنه) وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دعوة المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا يدعو بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
وهذه ألطاف الله قد تخفى على الكثيرين.
وكم لله من لطف خفي يدق خفاه عن فهم الذكي
وكم يسر أتى من بعد عسر وفرج لوعة القلب الشدي
وكم هم تساء به صباحاً فتعقبه المسرة بالعشي
إذا ضاقت بك الأسباب يوماً فثق بالواحد الأحد العلي
وقال أبو الحاكم علي السجستاني رحمه الله:
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطأت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك خوف يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت فموصول بها فرج قريب
اللهم فرج كرباتنا، وفرج همومنا وأحزاننا، اللهم واجعل لنا من رحمتك نصيباً موفورا، اللهم واجعلنا من عبادك الصلحاء الأتقياء الأخفياء، وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وأستغفر الله لي ولكم.