وكذلك فإن ذكر الله يزيل الوحشة بين العبد وربه، هذه الظلمة أو هذا البعد الذي نحسه أحياناً في علاقتنا بالله عز وجل هذا لا يزيله إلا ذكر الله تعالى، وقال صلى الله عليه وسلم:(إن ما تذكرون من جلال الله عز وجل من التهليل والتكبير والتحميد يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن، أفلا يحب أحدكم أن يكون له ما يذكر به؟!) الناس يحبون في الدنيا أن يعملوا أعمالاً يذكرون بها بعد ذلك، وأهل الصلاح أيضاً يحبون أن يكون لهم ما يذكرون به في الدنيا وفي الآخرة؛ في الدنيا لكي يترحم عليهم الناس ألم يقل نبي الله:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}[الشعراء:٨٤] يذكرني الناس به، فيدعون لي فأزداد أجراً وثواباً، هذه الأذكار عند الله تحمي صاحبها في أوقات الشدة، في أهوال يوم القيامة، هذا التحميد، وهذا التكبير، وهذا التهليل، يكون عوناً لصاحبه في الشدائد يوم القيامة.
وكذلك فإن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ويأمن العبد من الحسرة يوم القيامة كما قدمنا بذكره لله في جميع الساعات، ومع أن الذكر باللسان حركته خفيفة لا يأخذ جهداً إلا أنه عند الله ثقيل جداً:(كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) كم تأخذ منك جهداً لتقولها؟ كم تأخذ منك وقتاً لتقولها؟ لكنها أثقل عند الله من الجبال الرواسي.
وكذلك فإن غراس الجنة ذكر الله، وقد جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
ولذلك:(من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة) كما ورد في الحديث الصحيح.
وكذلك فإن قسوة القلب كما قدمنا يذيبها ذكر الله كما جاء رجل إلى أحد السلف، فشكا إليه قسوة قلبه، فقال: أذبها بذكر الله.
أذب هذه القسوة بذكر الله.
وما استجلبت نعمٌ للعبد بمثل ما تستجلب بذكر الله، الأسباب الجالبة للنعم كثيرة، ومن أعظمها ذكر الله:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:٧] ورأس الشكر هو ذكر الله عز وجل.
وكذلك فإن ذكر الله يجعل للعبد الذاكر صلوات عليه من ربه، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}[الأحزاب:٤١ - ٤٣] فأتى بهذه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}[الأحزاب:٤٣] بعد أي شيء؟ بعد الأمر بالذكر.
وكذلك فإن الله يباهي بالذاكرين الملائكة، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال:(خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى، قال: آالله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثاً مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى، ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: آالله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة) ما هو المجلس أيها الإخوة؟ يذكرون الله تعالى ويتذكرون نعمة الله فيما من الله به عليهم من الهداية إلى الإسلام، ولذلك ينبغي أن يكون هذا الموضوع مما يكثر طرقه في المجالس، ذكر الله وحمده على نعمة الهداية إلى هذا الدين، أناس في غياهب الشرك يعبدون بقراً وحجراً ونجوماً وكواكب وأناساً وأصناماً وشياطين وجنا، وبعضهم وصل به إلى أن عبد فرج المرأة، أفلا تكون هذه النعمة العظيمة نعمة الهداية إلى الله للإسلام من الأمور التي ينبغي أن يكثر من طرقها في المجالس؟