ومن الأمور: التحايل لأكل حقوق الناس بغير حق؛ عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصمٍ بباب حجرته فخرج إليهم، فقال:(إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضهم يكون أبلغ من بعض) واحد من الخصمين يكون عنده قدرة في الجدال، ولسانه يكون أبلغ من صاحبه وهو الظالم، ولكن يقنعني بأنه الحق له، (فأحسب أنه صادق -لأن لي الظاهر، وأحكم بالظاهر والله يتولى السرائر- فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها) وكذلك في الرواية الصحيحة الأخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أن بشر وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه -لأنه لسن ومجادل ويستطيع أن يثبت ولو على باطل- فإنما أقطع له قطعة من النار) أخرجه البخاري ومسلم.
قارن بين هذا وبين ما يتم اليوم من بعض الخصوم عند الحاكم؛ وهم يعلمون أنهم ظلمة من الكلام أمام القاضي بالباطل فيتكلم بلسانه، وإن من البيان لسحراً، فيبين ويتكلم، ويرفع صوته، ويقنع وهو على الباطل، وقد يكون خصمه (صاحب الحق) ضعيفاً ليس عنده مثل بيانه، ولا مكانته، فيخرج المظلوم مسكيناً؛ لأن القاضي يقضي بالظاهر إذا لم تتبين له الأدلة، وقارن بين هذا أيضاً وبين عمل كثير من المحامين المشتغلين في مجال المحاماة الذين لا يتقون الله ليس كلهم، ولكن كثيراً منهم لا يتقون الله، فيهمه أن يكسب القضية لموكله ويأخذ المبلغ والأتعاب، ولا يدري أو لا يبالي إن كان خصمه محقاً أم لا، فانظر في المنكرات الحاصلة من هذه المهنة على ضوء هذا الحديث.