لا بد من التأمل في مسألة الفاحشة، فإن الشيطان كتابه الوسوسة، وقرآنه الشعر، ورسله الكهنة، وطعامه ما لم يذكر اسم الله عليه، وشرابه كل مسكر، وبيته الحمام، ومصائده النساء، ومؤذنه المزمار، ومسجده السوق، وكل هذه الأشياء مع بعضها البعض تؤدي إلى الفتنة العظيمة، والزنا من أعظم الذنوب والفواحش، وبعضه أشد من بعض، فمن أفحش الزنا الزنا بالمحارم، ومن أفحشه الرجل يزني بزوجة الرجل -أي: المتزوجة- مما يؤدي إلى اختلاط المياه والأنساب، ومن أفحشه أن تكون المرأة المزني بها جارة: قال عليه الصلاة والسلام: (ولأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره) وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عقوبة الزناة والزواني في البرزخ قبل دخول جهنم، أنهم في تنور -فرن- يأتيهم اللهب من أسفل منهم، فيرتفعون فيصيحون، فإذا خمد اللهب، سقطوا، ثم يأتيهم مرة أخرى فيرتفعوا، حتى يكادوا أن يخرجوا وهكذا إلى قيام الساعة.
هذا عقاب الزناة والزواني في البرزخ يا عباد الله.
وحكى لنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشخاصٍ كادوا أن يقعوا في الفاحشة، وربما يصل الأمر إلى هذه الدرجة، فماذا يفعل الشخص؟ حينئذٍ (قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عمٍ كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها فأبت، حتى أتيتها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار، فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه -والحق هو عقد الزواج الشرعي- فقمت عنها وهي أحب الناس إليَّ) إذاً: يمكن للإنسان المسلم لو ساقته نفسه والشيطان والمرأة إلى الفاحشة أن يذكر الله تعالى في اللحظة الأخيرة فيقوم ويترك المعصية.
إذاً: هذه من النظرة إلى اللحظة الأخيرة، إجراءات شرعية لأجل الوقاية من فتنة النساء، وهي المسألة العظيمة في عصرنا.
يا عباد الله! والله إنني ما طرقت هذا الموضوع إلا لأجل رؤية ذلك عياناً بياناً، والتمعن في أمراضنا ومشكلاتنا، فإنك إذا تمعنت معي وجدت فعلاً أن من أشنع الأشياء فتنة النساء.
وتعلم فعلاً- يا عبد الله- أن القضية بحاجة شديدة إلى مصابرة ومجاهدة، وبعض الناس يقول: لا تلوموا الشباب ولوموا الفتيات، كيف ذلك؟ اللوم على الجميع، اللوم على الفتاة التي تبرجت، وعلى الشاب الذي استجاب، وعلى وليهما الذي لم يرب هذا، ولم يمنع تلك من الخروج، وعلى الذي يضع العراقيل في طريق الزواج بحجج واهية، ويغلي المهور، ويقول: ابنتنا ليست بأقل من ابنة فلان، أو يضع العراقيل الواهية باسم القبلية والموازين التافهة الدنيوية، ويرد هذا، وهذه ابنتنا تريد الدراسة ونحو ذلك، فاللوم على الجميع، وليس أحد بمستثنى.
نسأل الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ونسأله عز وجل أن يقينا كل هذه الشرور، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.