للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثلاثة مداخل شيطانية]

من الأمور التي نختم بها كلامنا -أيها الإخوة- أن هناك ثلاثة مداخل ربما تكون أحياناً شيطانية.

بعض الناس لو لم يهتد إلى الله إلا بعد فترة من الزمن -مثلاً صار عمره ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، ثم هداه الله- فماذا يحصل له؟ يقول: لقد فاتني وقت الطلب، وقت تأسيس نفسي على العبادة، وذهب عليَّ الزمن وذهب عليَّ الوقت، وفاتني القطار.

وتراه دائماً يشتغل بالندم على الوقت الفائت، فيسبب تضييع الوقت الحاضر، وهذه نقطة شيطانية خطيرة جداً، وهذا خطأ كما قال أهل العلم، ولذلك صارت القاعدة الذهبية، "ما لا يدرك كله لا يترك بعضه" أي: إذا لم تستطع أن تأخذ طريق العلم من بداية عمرك، فلا يترك بعضه، وهناك من العلماء من طلب العلم وهو كبير، فهناك من طلب العلم وهو ابن أربعين أو خمسين، وهناك من العلماء من أصبح نابغة في هذا، وهناك عباد وزهاد لم يتعبدوا لله إلا بعد فترة طويلة من حياتهم، وانظر في حال الصحابة، أليس حالهم عجيباً؟! كثير منهم اهتدوا في الأربعين والخمسين عمرو بن الجموح وطأ بعرجته في الجنة، رجل أدركه الإسلام وهو كهل لكن ما فتر، ولذلك أنت تعجب بعض الأحيان عندما تدخل في حلقة شيخ من المشايخ أو عالم من العلماء -مثلاً- في حلقة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله قد تجد رجلاً كبيراً في السن، وتراه جالساً في الحلقة وهو يستمع، هذا الرجل عاقل، ما قال أنا فاتني العلم، وعليَّ أن أجلس في البيت، هذا هو الذي يفرح الشيطان فعلاً.

إياك ثم إياك أن تفكر من هذا المنطلق، وإذا أخلصت النية فإن الله سيبارك لك في وقتك ولو كان ضيقاً، لو شخصاً قال: أنا أصرف على كذا أسرة، أنا إنسان مشغول فكيف أطلب العلم؟ نقول: أنت إذا أخلصت لله يبارك الله لك في وقتك، يا أخي! تأمل في حياة عمر بن عبد العزيز تجد عجباً: عمر بن عبد العزيز: استلم الخلافة وفيها ترف وابتعاد عن الله، وانشغال بالدنيا، والطرب والغناء والرقص في البيوت، وكانت هناك منكرات كثيرة عمت المجتمع، كم حكم عمر بن عبد العزيز؟ حكم سنتين ونيفاً، لكن سبحان الله العظيم! كيف تغير الوضع لما حكم عمر بن عبد العزيز في سنتين ونيف؟ صار هناك انقلاب في المجتمع وتَغيَّر الناس! وازدهرت حلقات العلم والعلماء بشكل أكبر بكثير مما كان قبل ذلك، حتى أن الناس اكتفوا مادياً، وكانوا يبحثون عن فقراء للزكاة فما يجدون، كيف فعل هذا الرجل في سنتين! كيف حدث هذا؟! أليست هذه شبه معجزة، إنما حدث هذا بإخلاص عمر بن عبد العزيز! رحمه الله، ورضي عنه وأرضاه، كم أدى للإسلام من خدمةً جليلة في هذه الفترة القصيرة التي حكم فيها! وآخر ما نختم به، مرض من أمراض هذه المشكلة -اغتنم فراغك قبل شغلك- مرض التسويف.

بعض الناس، كما يقول ابن القيم رحمه الله: كلما جاء طارق الخير صرفه بوَّاب (لعل وعسى).

كلما جاء طارق الخير وقال: يا فلان! اطلب العلم، يا فلان اعبد الله، يا فلان ادع إلى الله، يا فلان، صرفه بواب لعل وعسى، وأكثر الناس ضائعون بين السين وسوفَ، والأماني رأس مال المفاليس.

هذا ما سنقف عنده في هذا الموضوع.