إن المتتبعين لشهواتهم من الأشكال والصور، والطعام والشراب واللباس، لا بد أن يستولي على قلب أحدهم ما يشتهيه حتى يقهره ويملكه، ويبقى أسيراً للهوى، ولذلك فإن الإنسان إذا صار عبداً لشيءٍ من الدنيا غرق واستولى ذلك الشيء عليه، فصار هو الذي يقوده.
قال الشافعي رحمه الله: من لزم الشهوات لزمته عبودية أبناء الدنيا.
لا بد أن يكون عبداً لأحدهم، لجمالٍ أو مالٍ، أو شهوة أو رئاسة ونحو ذلك، وإذا كان الإفراط في الشهوات مذموماً شرعاً:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}[مريم:٥٩] فكذلك اتباع الشهوات مذمومٌ عقلاً.
إن العاقل إذا تبصر في أمور الذين يتبعون الشهوات ويغرقون فيها، يعرف تمام المعرفة بأن هذا الاتباع للشهوات والعبودية لها يصرف الإنسان عن مصالح كثيرة، ويفوت عليه منافع عظيمة، ولذلك فإن الصبر عن الشهوة -أي: الامتناع عن الشهوة المحرمة- أسهل من الصبر على ما تقتضيه إذا غرق فيها، فإن الصبر عن الشهوة المحرمة تعقبه لذة يقذفها الله في قلب الصابر.
وأما إطلاق العنان للنفس في الشهوات، فإن ذلك يوجب آلاماً وعقوبةً وإن كان في لحظة الفاحشة أو لحظة الحرام سكران لا يدرك ذلك، ومخمور لا يشعر به.
فتأمل يا عبد الله! كيف تورث المعصية بالشهوة حسرة وندامةً بعدها، (لذة ساعة شرٌ إلى قيام الساعة وما بعد قيام الساعة) أو تثلم عرض الإنسان، أي: أنه ينفضح بين الخلق، أو تذهب مالاً له خيراً له أن يبقى عنده، أو تضع قدراً وجاهاً له فيحقر بين الخلق كان حفظ جاهه أنفع له، أو أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، أو أن تطرق لوضيعٍ -إنسان تافه وحقير- طريقاً يتسلط به عليك بسبب الشهوة، فيهدد أو يتوعد، أو يفعل ويأخذ ما يشاء، أو أن تجلب هماً وغماً، وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، أو أن تنسي علماً ذكره ألذ من الشهوة، أو تشمت عدواً شماتة تتمنى أنك لم تقع في تلك الشهوة، أو تقطع الطريق على نعمةٍ مقبلة من الله، أو تبقي عيباً وصفةً لا تزول، والأعمال تورث الصفات والأخلاق.