للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آثار الحقد على الحاقد والمحقود عليه]

تتخزن هذه الطاقة الكريهة في النفس، ويحتقن هذا الحقد في النفس، ويظل دفيناً يتحرك ويشتعل داخلياً كلما رأيت الإنسان الذي تحقد عليه، وكلما ذكر اسمه على مسمعك، أو تذكرت شيئاً من أفعاله وأقواله، أو مشهداً من المشاهد التي حصلت فيها لهذا الشخص مواقف معك، فيتفاعل عندك هذا الخلق (الحقد).

والمسألة باختصار: اختزان وإمساك العداوة والبغض في القلب واستمرار تفاعلها.

وهذا المرض له آثار مدمرة على نفس الحاقد؛ لأنه يشغل القلب ويتعب الأعصاب، ويقلق البال، ويقض المضجع، وقد تظلم الدنيا في وجه الحاقد وتضيق به على سعتها، وتتغير معاملته حتى لأهله وأولاده؛ لأن الحقد يضغط عليه من كل جانب، وقد تتسع دائرة الحقد لتشمل الأبرياء كما لو كرهت امرأة زوجها لإهانته وشتمه لها وتعذيبها فقد تكره جميع الرجال، أو يظلم والد ولده ويذيقه ألوان العذاب ويقسو عليه ويحرمه ألوان العطف والحنان، فيكره الولد كل الآباء وهكذا.

والحقد في الغالب يكون بين الأقران، ولذلك فالضرة تحقد على ضرتها، والفقير يحقد على الغني، وكل من سلب نعمة يحقد على من أنعم الله عليه بها وهكذا، وكل صاحب رئاسة يحقد على من ينازعه الرئاسة، وكل إنسان يحقد على من يتفوق عليه بشيء.

وإذا كان للحاقد سلطة أو قوة فإنه يسعى للانتقام من كل من يظن أنه عدو له، والحاقد فيه شبه من الكفار الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:١١٩] تأمل هذه الصورة الكريهة الشنيعة التي ذكرت في القرآن: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران:١١٩] أي: أن هذا الحاقد المغتاظ يعض أنامله على من يحقد عليه.

الحقد داء دفين ليس يحمله إلا جهول مليء النفس بالعلل

مالي وللحقد يشقيني وأحمله إني إذاً لغبي فاقد الحيل

سلامة الصدر أهنا لي وأرحب لي ومركب المجد أحلى لي من الزلل

إن نمت نمت قرير العين ناعمها وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي

وأمتطي لمراقي الجد مركبتي لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي

فهذا التبرؤ أو هذا الشفاء من الحقد نعمة من الله سبحانه وتعالى، وليس أهنأ للمرء في الحقيقة ولا أطرد لهمومه ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب بريئاً من وساوس الضغينة وثوران الأحقاد، ومستريحاً من نزعات الحقد الأعمى، فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثلوم.