إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}[إبراهيم:٣٣] وقد أنب الله تعالى الكفار لما أعطاهم العمر المديد، فلم يستفيدوا منه، فقال عز وجل:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}[فاطر:٣٧] ومدح المؤمنين، لأنهم استفادوا من أعمارهم، واغتنموا أوقاتهم، فقال عز وجل:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة:٢٤] فوبخ هؤلاء مع أنه عمرهم؛ لأنهم لم يستفيدوا من العمر، ومدح هؤلاء؛ لأنهم اغتنموا الأيام الخالية، اغتنموا العمر في طاعة الله تعالى، وهذا المبدأ مهمٌ للغاية- أيها المسلمون- أن يعلم الإنسان قيمة عمره (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه)، وقال عليه الصلاة والسلام:(اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) فتأمل! أنه يُسأل عن العمر عموماً، ويسأل عن الشباب خصوصاً؛ لأنها مرحلةٌ فيها نشاطٌ وقوةٌ وحيويةٌ، ففي أي شيء صرفها؟ وفيمَ قضاها؟ وكذلك يسأل عن الصحة؛ لأنها نعمة يستطيع أن يفعل فيها أكثر مما يفعل في حال المرض، ويسأل كذلك عن أوقات الفراغ -يا عباد الله- والنبي صلى الله عليه وسلم بين هذا المفهوم بقوله:(عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة)، وقال:(من أراد الحج، فليتعجل؛ فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، أو تعرض الحاجة) حديث صحيح.