والدين مذلة أيها الإخوة من عدة جهات: فإنه يضطر المستدين كثيراً للوقع في آفات عظيمة ومنها: الكذب إذا حدث، ومنها: خلف الوعد إذا وعد، ومنها: الحلف إذا اقسم للدائن على أن يرد إليه الدين في أجل معين، ثم أخلف وعده، فحنث في يمينه، وأقسم فعليه الكفارة، وقد يضطره إلى دخول السجن، فتسوء سمعته وسمعة أولاده وأهله بين الناس، ويحرج فيضطر إلى الكذب وربما علم أولاده الكذب، فإذا جاء الدائن إلى بيت المدين فطرق الباب أو اتصل بالهاتف، فيلجأ بعض المستدينين إلى الكذب فيقول: لولده، قل له إنه غير موجود، ثم يضطر للتخفي، ويتحرج من مواجهة الناس الذين يطالبونه، فيتوارى عن الأنظار والمجالس، ويحرم المعيشة الطبيعية، ومعاشرة الخلق، ولذلك يقول عليه السلام، في الحديث الصحيح:(لا تخيفوا أنفسكم بالدين).
ثم انظر إلى تلك الصفة الشنيعة من صفات النفاق العملي: وإذا وعد أخلف كما تتكرر اليوم من المستدينين؟ كم مرة يخلفون؟ وما لإثم النفاق العملي العظيم وآثاره على قلوبهم، وقد يضطر المستدين للوقوع في الربا، فيقترض من مرابٍ ليسدد لمن يطالبه، أو يطلب محاكمته، وربما استدان من مرابٍ ليوفي مرابياً آخر، والدين يزداد، والحرام يعظم حتى يهلكه في الدنيا والآخرة.
وإياكم ثم إياكم يا معشر المستدينين! أن تلجئوا إلى البنوك الربوية للاقتراض منها، فإن من فعل منكم ذلك، فقد وقع في لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهما كانت الحاجة لا تلجأ إلى البنك الحرام المحرم، لكي تقترض منه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعن في الحديث الصحيح آكل الربا وموكله، لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم معطي الربا ولعن آخذ الربا، وهذه الآفات العظيمة في الدين، تجعل بعض المستدينين قد يخرج من دينه بسبب الدين، ولهذا يقول بعض السلف: لأن تلقى الله وعليك دَيْن ولك دِين، خيرٌ لك من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب دِينُك.
وهو مذلة؛ لأن فيه شغل القلب والبال والتذلل للغريم عند لقائه، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه وربما مات فصار مرتهناً بدينه (نسمة المؤمن معلقة بدينه) وقد يجعل المستدين ذليلاً من جهة أنه يحس في قرارة نفسه أنه صاحب حاجة، وأنه محتاج إلى غيره، وقد يجر على نفسه تسلط غيره عليه إذا كان الدائن لا يراعي حقوق الأخوة، فيبدأ الدائن بالتدخل في شئون المدين الداخلية الخاصة، فيتكلم من منطلق الدين الذي له عند صاحبه، مما يؤذي المدين في أهله وشخصه، وقد يتدخل الدائن في تجارة المدين، ويقول له: بع كذا، ولا تشتر كذا، والمدين المسكين يحرج ولا يستطيع أن يخالف حتى وجهة نظر الدائن.
وهو مذلة أيضاً؛ لأنه سيسمع من الدائن كلاماً قاسياً بشعاً في حقه لا يليق، ولكنه يضطر إلى السكوت على مضض ولا يجد ولا جواباً ولا يستطيع رداً.