[معرفة الواقع]
ومن سمات رجل العقيدة كذلك: أنه يعي الواقع جيداً، ويُلم به، وأنه رجل يعيش عصره لا يعيش متقوقعاً لا يعلم ماذا يحدث في بلاد المسلمين، وما هي التيارات التي تخترق مجتمعات المسلمين؟ إن لديه إلماماً بالتيارات التي تواجه المسلمين بأخطارها، مثل: التيارات الإلحادية الصريحة كـ الشيوعية والقومية وغيرها، وكذلك تيارات الباطنيين كـ القاديانية والبهائية وغيرها، وتيارات القوميين والعلمانيين الذين قال بعض قادتهم:
سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
هؤلاء الذين لا يرفض بعضهم الإسلام صراحة، ولكنهم يجعلونه ضمن دوائر خاصة يجعلونه جزءاً من التراث بحيث يشمل كل الفلسفات والأفكار والتقاليد والنظم مما قبل الإسلام أو بعده، سواء كان موافقاً للإسلام أو مخالفاً له، يريدون أن يحصروا الدين في الشعائر التعبدية والأحوال الشخصية، والتزام الفرد بالأخلاق والآداب فقط.
وكذلك يدركون تيارات التبشير النصراني، وعبادة الفرد من دون الله، ويدركون جيداً تيارات أهل البدع من أهل الاعتزال والكلام، وأخطر من يواجه المسلمين في هذا العصر من أهل البدع من جهة العقيدة غير النصارى والعلمانيين والناس الذين ذكرناهم فيما سبق، الصوفية بفرقها، والأشاعرة من ناحية الامتداد والتمركز، وذلك من خلال جامعاتهم في العالم الإسلامي، ودروس مشايخهم وطبع كتبهم وتقريرها وتوفيرها والترابط بين مذاهبهم.
ورجل العقيدة علمه بالواقع يُؤدي إلى عِظم شعوره بالمسئولية تجاه الواقع.
ما فائدة المعرفة بالواقع؟ إنه يؤدي إلى الشعور بالمسئولية للتغيير، ويعلم بأن هناك أكثر من ألفي مليون من البشر يعبدون آلهة وثنية من دون الله، ويعلم بأن هناك أكثر من ستمائة مليون إنسان في الهند يُقدسون البقر، ويقولون: نموت فداءً للبقر، ويعلم بـ الشيوعية وأهدافها وأحزابها ودولها وهيئاتها التي تعمل ليكون العالم كله شيوعياً، ويعلمون عن اليهود وعقائدهم الذين أخبر القرآن عنهم أنهم سبوا الله، فقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤].
وهم الذين قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح يوم السبت.
وهم الذين يقولون: إذا احتدم الخلاف بين الله والحاخاميين فإن الحق مع الحاخاميين.
وهم الذين يقولون: إن الأديان بغير اليهود كلاب، يحل غشهم والمنافقة معهم عند اللزوم.
ويعلم رجل العقيدة بمؤامرات اليهود في العالم، وكيف تنطلق أنشطتهم من البنوك والمصارف والاحتكار والمسارح والسينما والمطابع، ودور النشر التي تُصدر كتبهم وصحفهم ومجلاتهم، ويعلم بأن الغرب مشتغل بعبادة المال وتجارة الرقيق الأبيض والمخدرات والتمييز العنصري، وأن الغرب تنتشر فيه تيارات الهيدية والسادية واللواط وعبادة الشيطان، وأن أولئك الكفار لا يعلمون شيئاً اسمه الخوف من الله، وأن الحضارة الغربية والتقدم العلمي ما هو إلا من قول الله عزوجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧] وصدق من قال: لقد تعلم الإنسان كيف يطير في الهواء ولكنه لا يدري كيف يمشي على الأرض.
ورجل العقيدة: يعلم بوعيه أن هناك مؤامرات تُدبر في بلاد المسلمين ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ويعلم مثالاً جيداً من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولئك المنافقين الذين بنوا مسجداً ليكون ظاهر الأمر أمام المسلمين أنه شيء طيب، ولكنه في الحقيقة يخفي وراءه عذاباً ونكالاً ومؤامرة على المسلمين.
ولذلك يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:١٠٧ - ١١٠].
ولذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهدمه وحرقه مع أنه مسجد حتى قال بعض السلف: "فهو الآن مزبلة"؛ لأن هذه المؤامرات وهذه الدسائس لا تنطلي على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليس كل شيء ظاهره الطيبة أنه خير للمسلمين، بل إنه قد يكون وراءه شر مستطير، والمسلم ينفذ بعين بصيرته ما وراء تلك الجدران فيعلم ماذا يدور؟ وماذا يخبأ للمسلمين؟ وقازان الذي انتحل شخصية رجل الدين، وجاء معه بإمام وقاضٍ ومؤذن، لم ينطل أمره على شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه وعى الأمر على حقيقته، وفتوى شيخ الإسلام في قتال التتر معروفة، وفي العصر الحديث جاء نابليون إلى مصر، فلبس الجبة، وحضر مجالس العلماء، وصلى في الأزهر، وأفطروا على مائدته، وانطلى أمره على كثير من المسلمين.