قال الإمام مالك في وصف العلماء المعتبرين: لا تأخذوا العلم عن أربعة وخذوا العلم ممن سواهم، لا يؤخذ من سفيه معلوم بالسفه، وإن كان أروى الناس -أي: أكثر الناس رواية- ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من كذاب يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من شيخ له عبادة وفضل إذا كان لا يعرف الحديث.
هذا الأخير نوع مهم من الواجب معرفته، صاحب العبادة التقي الورع الذي يداوم على الصلاة والصيام، حاله على الرأس والعين، لكن إذا جئنا إلى قضية الأخذ لا نأخذ منه، فرق بين العابد والعالم، العلم لا يؤخذ عن العباد ولكن يؤخذ عن العلماء، وكثير من الناس يغترون بشخصيات من هذا القبيل، فيبدو على رجل ما سمات الصلاح والتقوى، فيأتي إليه أخونا هذا فيسأله وليس هو بمحل للسؤال، ولذلك يقول الإمام مالك في كلام مشهور: من شيوخي من أستسقي بهم -أي: أطلب منهم أن يدعوا الله بالسقيا- لأني أظن أن دعاءهم مستجاب، ولكني لا آخذ حديثهم.
فالورع والصلاح شيء والعلم الشرعي شيء آخر، أقصد شيئاً آخر في معرفة ممن يتلقى، لكني لا أعني التفرقة بينهما بحيث أن العالم لا يشترط فيه أن يكون صالحاً ولا ورعاً ولا زاهداً، بل سبق الكلام أنه لا بد أن يكون كذلك.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: ما حكم الأخذ عن فاسق؟ فقال: ينبغي أن يتحرى الصالحين الطيبين، وإن وجد فائدة عن فاسق أو حتى كافر لا يردها بل يأخذها، فإن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها.
المقصود بالفائدة: أي فائدة صحيحة، لكن هذا لا يعني أن نأخذ العلم عن المبتدعة وأهل الأهواء، كلا وحاشا، وإذا اجتمع اثنان فأكثر فيجب على الإنسان الاجتهاد في أعلمهم، والبحث عن الأعلم والأورع والأوثق ليقلده إن كان لا يحسن البحث في كتب أهل العلم، ولا سؤال العلماء ومعرفة الأدلة.