طلب النبي صلى الله عليه وسلم حاول أن يطلب المغفرة من الله لأمه، لكن لم يقبل منه وقد حدث ذلك في القصة التي رواها مسلم وأحمد عن بريدة رضي الله عنه وأرضاه، قال:(كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل بنا، ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب ففداه بالأب والأم، يقول: يا رسول الله! ما لك؟ قال: إني سألت الله عز وجل في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمةً لها من النار) حديث صحيح.
وهذا يدل على أن وشيجة العقيدة هي المقدمة، وأنها إذا انقطعت انقطعت معها باقي الوشائج، وأن ما بقي بعد ذلك فإنما هو إحسانٌ بالمعروف، قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}[لقمان:١٥] ولكن لا يجوز مجاوزة الحد الشرعي.
نعيد التذكير بقصة إبراهيم الخليل لما قال:{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ}[الشعراء:٨٦]{قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي}[مريم:٤٧] وبين الله عز وجل الأمر بعد ذلك: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ}[الممتحنة:٤].
هذا كان قبل أن يعلم أنه عدوٌ لله، فلما تبين له أنه عدوٌ لله تبرأ منه، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:(إني سألت الله عز وجل في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي) لأنها ماتت على الشرك، وهذا يبين بطلان الحديث الذي ادعى بعضهم فيه أن الله أحيا أبوي النبي عليه الصلاة والسلام له، فآمنا به ثم ماتا، فهذا كذب باطل موضوع، وأن من مات على الشرك دخل النار، ولو كان ولد نوح، ولو كان أبا إبراهيم، ولو كانت أم النبي عليه الصلاة والسلام، إذا لم يوجد توحيد فلا أمل في المغفرة، ليس هناك مجاملات على حساب التوحيد.
لكن إذا كان الأب والأم مسلمين، فإن استغفار الولد لهما ينفعهما، كما جاء في الحديث الحسن عند الإمام أحمد رحمه الله، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا ربي أنى لي هذه؟! فيقول: باستغفار ولدك لك).
إذاً هناك أناس يرفعون في الجنة، ليس بأعمال عملوها هم؛ لكن باستغفار أولادهم لهم، ومن هنا كان الاستغفار للأبوين أمراً في غاية الأهمية، والله يقيض من ولدك من يستغفر لك، واعلم إنك إذا استغفرت لأبويك، فإن الملك يقول ولك بمثله، ولك بمثله، قال تعالى عن نوح:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً}[نوح:٢٨].
وأيضاً يدعو الله عز وجل أن يرحمهما كما ربياه صغيراً، فهذا بالنسبة لاستغفار الولد لأبويه المسلمين.