ومن الأسباب الحاملة على سوء النصيحة أمام الناس عاملٌ مهمٌ جداً وهو: أن يكون بيد الناصح سلطةٌ أو معه مسئوليةٌ على المنصوح قوية كمسئولية أو سلطة الوالد على ولده، أو المدرس على الطالب، أو الزوج على الزوجة، هذه السلطة أو المسئولية تحمل هؤلاء الناس إلا من رحم الله منهم على سلوك سبلٍ سيئة في النصيحة، يقول: عندي مسئولي أستطيع أن أقهره وأجبره، لذلك لا يفكر مطلقاً في تزيين النصيحة ولا في أسلوبٍ حسن، لأنه أب يقهر الولد، لأنه مدرس يقهر الطالب؛ لأنه زوج يقهر زوجته، فلذلك لا يفكر في تحسين النصيحة مطلقاً؛ لأن عنده من السلطة والمسئولية ما يخوله للفرض أو القهر والجبر، ولذلك نشأت اليوم أجيال من المسلمين ضعيفة في شخصياتها محطمةٌ في معنوياتها، لا تكاد تجد عندها معلماً واحداً من معالم العزة أو القوة أو الجرأة، لأن تربيتها كانت من هذا النوع.
أيها الإخوان: يدخل الواحد أحياناً بيتاً من البيوت، ويجلس في مجلس من المجالس، فيرى الأب يهين الابن أمام الضيوف الجالسين، يهينه وينتقده ويذله ويسبه ويقول: هذه طريقة في الضيافة! هذه طريقة في حمل القهوة! هذه كذا! استحي على وجهك، وينتقده حتى في طريقة وضعه للطعام، مع أنه كان من الممكن أن يخرج إلى خارج المجلس وينادي الولد، ويسر إليه سراً بهذه النصيحة وهذا التعليل، وأحياناً تكون الأشياء غير ذات أهمية، ولكن حب التسلط يحمل الأب أو المدرس أو الزوج على أن ينال من ابنه أو من تلميذه أو من زوجته في كرامته ومشاعره وأحاسيسه في أشياء تافهة بدافع حب السيطرة وإبراز الشخصية، وهذه -أيها الإخوة- من مداخل الشيطان.
لا تحملنك يا صاحب المسئولية مسئوليتك ولا سلطتك على أن تخون آداب النصيحة، وتسيء إلى إخوانك المسلمين في طريقة النصح، ولذلك تجد الأولاد الآن كثيراً منهم لا شخصية لهم ولا جرأة عندهم ولا عزة ولا كرامة، في غاية الذل والإهانة لا يجرءون على مواجهة الناس خارج سور البيت؛ لأن طريقة إسداء النصح له في المجالس في غاية السوء؛ لأن طريقة تربية الآباء أو تربية المدرسين أو معاملة الزوج مع زوجته في غاية السوء، فترى تلك المسكينة قابعة في بيتها جريحة مهيضة الجناح؛ لأن زوجها ذلك الجبار المتغطرس لا يعرف أن ينصحها مطلقاً، فتراه يهين زوجته أمام أمه أو أخته أو أحد محارمه، وإذا اجتمعوا في البيت يسيء إليها؛ ويغلظ عليها في طريقة نصحها، ويلومها على طريقة الطبخ أو على أي شيء في الأكل ويجرح شعورها وكبرياءها، وترى ذلك الطالب المسكين يقف في الفصل محرجاً وجهه قد اسود أمام زملائه؛ بسبب الطريقة السيئة التي نصحه بها المدرس.
نقول هذا أيها الإخوة تسليطاً للضوء على هذه المشكلة التربوية المتعلقة بالنصيحة والتي تتداخل يومياً في تصرفاتنا الحياتية.
الإسلام أيها الإخوة أخلاق وسلوك وآداب، كما أنه عقائد وسنن وأوامر وتشريعات وأحكام ومناسك، فينبغي الأخذ به كله، ينبغي أن نأخذ بالإسلام جميعه، خذوا الإسلام جملةً ولا تدعوا منه شيئاً على قدر الطاقة والسعة.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للطريقة الصحيحة في إسداء النصيحة لإخواننا المسلمين، وأن ينعم علينا وعليكم بإصابة الحق وحسن الألفاظ وجودة التعبير في نصح إخواننا المسلمين.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمدٍ، والحمد لله أولاً وآخراً.