إن طاعة العلماء عبادة، وقد ذكر أهل التفسير أن أهل العلم من أولي الأمر الواجب طاعتهم، وهم شهداء الله في أرضه، والأمناء على وحيه، وأهل خشيته، وهم الأنوار في الظلمات، والمنائر في الشبهات، وهم ورثة الأنبياء، هم الذين أبانوا الحق للناس، وهم الذين صمدوا في الفتن، فلنذكر صبر الإمام أحمد رحمه الله تعالى وإبانته الحق للناس، وهكذا صمد ابن تيمية رحمه الله أمام التتر وقاد الأمة للجهاد، وهكذا جدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الدين يوم كانت الدنيا تمتلئ شركاً وقبوراً، وهكذا سار أهل العلم يجددون فقه الشافعي رحمه الله، وفقه عالم المدينة مالك، وهكذا من قبل ومن بعد علماء كثر.
إن مثل العالم في البلد كمثل عين عذبة يردها الناس فيستقون منها، هؤلاء أهل العلم الصحيح من الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا من البدع والترهات، ولا من الشرك والكفر، هؤلاء أهل الإخلاص في طلبه وتبليغه للناس، ليسوا بأهل دنيا، ولا جماعون للأموال، ولا مرتادون للفارهات، إنما هم أهل الزهد والخشية، الذين كانت سيرتهم في أنفسهم دليلاً على خشيتهم لربهم، هؤلاء الأعزة الذين علموا الناس دين الله، وكانوا كثيراً ما يستخفون من الناس، ولكن الله سبحانه وتعالى يظهر فضلهم ومواقفهم، هؤلاء أهل التواضع الذين لو كثر الناس من حولهم فلا يحملهم ذلك على الترفع والتكبر، هؤلاء أهل الحق الذين يجانبون الهوى، فلا تميل بهم الأهواء.
قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] هؤلاء الذين يتكلمون بالعلم لا بالظن، فإذا جاءوا إلى مسألة لا يعرفونها، قال الواحد منهم: لا أدري، وتوقف عن الفتيا، ومن هو في العلم؟ جبل عظيم.