[الوضوح في الشخصية وفوائده على صاحبه]
لا بد أن يكون الوضوح هي الصفة المتميزة لهذه الشخصية، ولهذا الوضوح يا إخواني فائدة عظيمة في الدعوة إلى الله، فمن فوائده: أنه يمنع قابلية إشاعات المغرضين على نفسه، إذا كان الإنسان غير واضح وتحيطه هالات من الغموض، فإن الناس المغرضين سيتكلمون فيه، ويقولون: انظر فلاناً ماذا حوله! إن أمره مريب، إنه كذا وكذا فتبدأ إشاعات المغرضين تلوكه، وهو السبب لأن شخصيته غير واضحة أمام الناس، وإذا أردتم مثالاً من السيرة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص على وضوح الشخصية أمام المجتمع بأسره، فتأمل معي يا أخي المسلم في هذه الحادثة، إنها قصة ابن أبي السرح؛ وهو صحابي جليل أسلم، وكان من كتبة الوحي، ثم ارتد عن الإسلام وصار يقول لكفار قريش: أنا كنت أكتب الوحي لمحمد وأنا أصرفه حيث أشاء، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، ولما فتح مكة أمن الناس كلهم إلا أربعة منهم ابن أبي السرح هذا رضي الله تعالى عنه.
وستعرفون من القصة لماذا رضي الله تعالى عنه، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في الصارم المسلول على شاتم الرسول؛ وهو كتاب ممتاز ذو فوائد قيمة قال: قصة ابن أبي السرح مما اتفق عليه أهل العلم واستفاضت عندهم استفاضة تستغني عن رواية الآحاد كذلك، وهذا أقوى مما رواه الواحد العدل: (لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن أبي السرح عند عثمان بن عفان، فجاء حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم) - عثمان أتى بهذا الرجل عبد الله بن أبي السرح وأوقفه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الفتح- (فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله، بايع هذا الرجل، يريد الآن أن يتوب بايعه، فرفع رأسه صلى الله عليه وسلم فنظر إليه ثلاث مرات، ثم كل ذلك يأبى أن يبايعه، فبايعه بعد الثلاث، فلما بايع النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي السرح على توبته ودخوله في الإسلام مرة أخرى، قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: أما فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟!) الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة: يا جماعة! ما فيكم رجل لبيب يفهم ويعقل ويستنتج من أني امتنعت عن مبايعة هذا الرجل ثلاث مرات أني لا أريد مبايعته فيقتله، لأن الرسول كان قد أحل دمه قبل أن يأتي تائباً.
(فقال رجل من الصحابة: ما ندري يا رسول الله! ما في نفسك -ما اطلعنا على دخيلة نفسك- ألا أومأت إلينا بعينك، إشارة إلى أنك تريد قتله وأنك لا تريد بيعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) قال ابن تيمية: رواه أبو داود بإسناد صحيح، وخرجه جماعة من أهل العلم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد الغموض ولا يحبه، ولا يريد حتى الوصول إلى المقصود بالإشارات الخفية، بل يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون واضحاً.
وهذا أيها الإخوة من أسباب عدم قبول كفار قريش لكثير من الإشاعات التي أشاعها المنافقون واليهود عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واضحاً في شخصيته وضوحاً بيناً.
لذلك يقول عبد الله بن سلام لما جاء يختبر الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم يقول: (فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب)؛ لأن فيه وضوحاً ليس فيه مواربة ولا أسرار ولا غموض، (فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب).
فإذاً أيها الإخوة! ينبغي أن يحرص الدعاة إلى الله عز وجل حرصاً كبيراً جداً على وضوح شخصياتهم أمام الناس؛ لأن في ذلك أكبر الإعانة والمساعدة على تقبل دعوتهم، وعلى إبعاد ألسنة أهل السوء عنهم.
ونختم هذا الموضوع بهذه الأبيات الجامعة لهذه الآداب وغيرها، قال الشاعر:
وقد خص بالصفع في الدنيا ثمانية لا لوم في واحد منهم إذا صفعا
المستخف بسلطان له خطر وداخل في حديث اثنين قد جمعا
وآمر غيره في غير منزله وجالس مجلساً عن قدره ارتفعا
ومتحف بحديث غير حافظه وداخل بيت تطفيل بغير دعا
وقارئ العلم مع من لا خلاق له وطالب النصر من أعدائه جمعا
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المتخلقين بأخلاق الإسلام المتأدبين بآدابه.
اللهم اجعلنا من المسلمين لك، المخبتين لك، المنيبين إليك الأواهين.
اللهم واجعلنا ممن يقيم حدود هذا القرآن ويحل حلاله ويحرم حرامه.
اللهم وانصر المجاهدين في كل مكان، وفي بلاد الأفغان، وفي فلسطين ولبنان.
اللهم دمر اليهود ومن شايعهم، اللهم إنهم عاثوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد اللهم فشتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل دائرة السوء عليهم يا رب العالمين! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.