والله يا إخوان! يرى في الجنازة من يضحك، ويرى في المقبرة من يضحك، ويرون خارجين من المقابر وبأيديهم السجائر يدخنون، ضحك وتدخين، هذا في أعظم مكان يمكن أن يتذكر فيه الإنسان على وجه الأرض، في المقبرة غاية الغفلة فماذا تعرف وتنتظر وتتوقع خارج المقبرة؟ إذا كانت الغفلة في المقبرة فماذا نتوقع خارج المقبرة؟ ولذلك لا عجب إذاً أن يقعوا في المعاصي متواليات، ويسهروا الليالي في المعاصي، وهؤلاء اليوم وفي هذا الشهر (شهر الحر) يريدون السفر بأي طريقة إلى بلاد الكفر والمعصية، وهؤلاء بائعو السياحة يتفننون في إغراء المسلمين بقضاء إجازتهم في بلاد الكفر التي غابت عنها شمس الدين والفضيلة، وهي محاولات للسطو على أماناتنا من الأموال والأولاد؛ لأن الله قال:{لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}[الأنفال:٢٧ - ٢٨] وهذا وليٌ لا يحفظ ولده، وهذا صاحب مالٍ لا يحفظ ماله.
يا عباد الله! يقترضون من البنوك للسفر إلى الخارج، وتقول المرأة للأخرى لماذا لا تسافرون؟ أما عندكم مال؟ اتجهوا إلى البنك يعطيكم! فيقترضون المال بالربا لأجل سفر محرم، والمسألة حرام في حرام، وبعد ذلك يسددون الفواتير، هناك عوائل تقتر على أنفسها طيلة السنة؛ لكي يجمعوا المال ليسافروا به إلى الخارج، حتى إذا عادوا قالوا لمن حولهم: لماذا لم نركم في لندن؟ ولا في باريس؟ ما رأيناكم في كذا؟ منيتهم غاية ما يتمنون أن يقولوا: كنا في مكان كذا، وكنا في مكان كذا، أين هؤلاء من الموت؟ أين هؤلاء من القبر؟ أين هؤلاء من الآخرة؟ أقسام الجوازات تعمل ليل نهار، الناس في غاية الاندفاع إلى السفر إلى بلاد الكفار، جاء شهر الحر:{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}[التوبة:٨١] لو كانوا يعلمون، لو كانوا يبصرون، لكن ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم توجد غشاوة، فلا يرون الحق، ولا يرون الدين، ولا يرون التقى، وإنما يرون المعاصي والآثام والفجور.
هذه المظاهر الاجتماعية السيئة، إلى متى ستستمر؟ قالوا: نقصت أموال الناس، فإذا هم يزدادون في السفر، وعوضوا بدلاً من بعض بلاد الكفر الأغلى بلاداً أرخص، وهذه المتع المحرمة التي يسافرون إليها، وتضيع الأموال، ثلاثة مليون سائح في عشرة أيام في معدل إنفاق خمسمائة إلى ستمائة ريال، هذا من أدنى المستويات، النتيجة مليار وستمائة مليون تصب في جيوب الكفار من أموال المسلمين، والناس في بلاد المسلمين الأخرى يموتون من الجوع ويبحثون عن حبة طعامٍ تركها بعض موظفي الإغاثة بين التراب ليأكلوها، وهؤلاء يبعثرون أموالهم، ويقترون على أنفسهم، ويستدينون من البنوك، ويسافرون بالأقساط، ويبعثرون الأموال، هل تظنون أن الله سيبدل هؤلاء، أم يتركهم وقد فعلوا ما فعلوا؟ اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم ردنا إلى الحق رداً جميلاً يا رب العالمين، بصَّرنا بعيوبنا، اللهم قوِّ إيماننا في قلوبنا، اللهم ارزقنا الغلبة على فتنة النساء والأولاد، اللهم ارزقنا الصمود أمام هذه الفتن يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من القائمين بأمرك في أسرنا وبيوتنا، وفي أولادنا ونسائنا يا رب العالمين.
اللهم ارزق المجاهدين نصراً قريباً، عجل فرجهم يا رب العالمين، إن لنا إخواناً مستضعفين في الأرض يسامون سوء العذاب وأنت الحي القوي، يا ربنا أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم ارحم قتلاهم، واشف جرحاهم، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عاريهم واحمل حافيهم، اللهم عجل بنصرهم، وعجل بفرجهم وردهم إلى الإيمان والتوحيد يا أرحم الراحمين.
اللهم دمر أعداءنا، اللهم أهلك عدونا، اللهم اجعل الفرقة بينهم وأفشل خططهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، اللهم خالف بين قلوبهم، وألق فيها الرعب يا رب العالمين، اللهم اضرب بعضهم ببعض، اللهم خيب رميتهم واجعل دائرة السوء عليهم.
اللهم أنت على كل شيءٍ قدير، فارحم إخواننا، واكبت أعدائنا، اللهم اقض ديوننا، واستر عيوبنا، وارحم ميتنا، اللهم إذا وُضعنا في قبورنا فليس لنا إلا رحمتك، اللهم ثبتنا عند السؤال، اللهم ثبتنا عند السؤال، وباعد بيننا وبين سوء المآل، يا رب العالمين، أحسن وقوفنا بين يديك، ولا تخزنا يوم العرض عليك، وأنت الرحمن الرحيم، ونحن عبادك، ليس لنا إلا رحمتك، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.