ومن أسباب كون المرأة فتنة، ومن أسباب عظم الفتنة بها أمرٌ مهمٌ جداً تفسير للقضية، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح:(المرأة عورة) ولم يستثن وجهاً ولا كفين أمام الرجال (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (استشرفها الشيطان)؟ أيها المسلم: فكر في هذه الكلمة: (استشرفها الشيطان) لتعلم من أين أتينا؟ قال المباركفوري رحمه الله تعالى: أي: زينها في نظر الرجال، وقيل: أي: نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء، وبسط الكف فوق الحاجب، هذا هو الاستشراف، والمعنى: أن المرأة يستقبح خروجها وظهورها، فإذا خرجت أمعن النظر إليها؛ ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها؛ ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة، أو يريد بالشيطان شيطان الإنس من أهل الفسق وسماه به على التشبيه.
إذاً: الشيطان يرفع أنظار الرجال إلى المرأة، والشيطان يزين المرأة في أعين الناظرين، فترى المرأة إذا خرجت إلى الشارع تمشي ارتفعت إليها أبصار الرجال، ذلك لأن الشيطان حريصٌ على تزيينها وعلى رفع الأبصار إليها، فتجد الأبصار تتجه إلى المرأة من حين خروجها إلى الشارع، ومن حين بدوها للرجال، يستشرفها الشيطان، ويجعلها هدفاً منصوباً ملفتاً لينظر إليها الرجال، فهي وسيلته لإغواء الناس، ولذلك كان السلف -رحمهم الله- مع عبادتهم وزهدهم وورعهم، يخافون على أنفسهم من فتنة النساء أكثر مما نخاف نحن على أنفسنا مع ضعفنا، ولا مقارنة بيننا وبينهم.
فهذا سعيد بن المسيب وقد أتت عليه ثمانون سنة، منها خمسون سنة يصلي فيها الصبح بوضوء العشاء، وهو قائمٌ على قدمية يصلي، كان يقول: ما شيء أخوف عليَّ من النساء.
وهو ابن ثمانين سنة، يعبد الله تعالى، ويقوم الليالي، ومع ذلك يقول هذا.