[الاتباع وترك الابتداع]
أيها الإخوة: والاستقامة كذلك في جانب التزام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبعد عن البدع، لذلك كانت الاستقامة وسطاً بين التفريط والإفراط، بين الغلو والتقصير الغلو الذي حصل من الخوارج في صدر الإسلام، وهو مضاد للاستقامة التي أمر الله بها مع أن الخوارج كانوا يصلون صلاة أكثر من صلاة الصحابة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم) يقصد الخوارج، أي: أنهم يصلون كثيراً، ويصومون كثيراً، حتى إن الصحابة قد يحتقرون صلواتهم إلى صلوات الخوارج لكثرتها، وصيامهم إلى صيام الخوارج لكثرة صيامهم.
لكن القضية -أيها الإخوة- ليست شعائر تؤدى بكثافة فقط، وإنما هو منهج وتصور صحيح، وسنة منضبطة لها قواعد جاء بها الإسلام تحدد الطريق، وإذا زاد الأمر عن حده انقلب إلى ضده.
هؤلاء هم الخوارج الذين خرجوا على صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا المسلمين المتمسكين بالدين تمسكاً صحيحاً، قاتلوهم بالسيف وذبحوهم وأجروا دماءهم في الأنهار، معتقدين أن عملهم هذا قربة إلى الله عز وجل، هؤلاء هم الغلاة والمتطرفون الحقيقيون.
إن التطرف والغلو هو: الخروج عن جادة الاستقامة يمنة أو يسرة، هو مجاوزة الحد الذي أمر الله به ورسوله، أما إذا استقام الإنسان على شريعة الله فيتمسك بدين الله وشرعه، ويتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال، والظاهر والباطن، حتى في الشكل والمظهر والملبس، فهذا لا يمكن أن يسمى متطرفاً، ولا يمكن أن يسمى غالياً أو مغالياً.
ولذلك نتيجة للجهل بمعنى الاستقامة، وبحدود السنة؛ صار الكثير من الجهلة اليوم يطلقون على المتمسكين بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم متطرفين ومغالين، ومتشددين ومتزمتين، وهكذا لماذا؟ لأنهم جهلوا معنى التطرف والغلو، ولأنهم يجهلون -أصلاً- ما هي الاستقامة.
أيها الإخوة: إن هذه الدعوات التي تظهر متهمة عباد الله عز وجل المستقيمين على شرعه، المتمسكين بدينه، بأنهم متطرفون ومتزمتون ومن أهل الغلو، إنما هي من تخطيط أعداء الإسلام لكي ينفروا الناس عن هؤلاء المستقيمين على شريعة الله، لكي ينفروهم ويحذروهم بزعمهم من هذا المسلك.
أيها الإخوة: إن الذي يسمي رجلاً من المسلمين التزم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في المظهر، فأطلق لحيته، والتزم بثياب الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعلها فوق الكعب كما أمر صلى الله عليه وسلم، وكما كان ثوب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولبس من الملابس المشروعة التي ليس فيها تشبه بالكفرة، وأصلح باطنه أولاً؛ فأخرج النفاق من قلبه، والكذب من لسانه الذي يسمي هذه التصرفات غلواً، فإنه لا يبعد عن الكفر كثيراً لماذا؟ لأنه في الحقيقة يطلق على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه متطرف ومغال، لأن هذه الأفعال من سلوكيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تصرفاته، فلو أطلقت على هذا الإنسان أنه متطرف أو مغالي فقد اتهمت الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعظم البشر، والنبي المرسل من عند الله، وخاتم الأنبياء، وصاحب الشفاعة العظمى، وأول من يدخل الجنة، وسيد الأولين والآخرين اتهمته بأنه من أهل الغلو والتطرف.
أيها الإخوة: لابد من الانتباه لهذه المسألة الخطيرة التي زلت فيها أقدام الكثيرين وألسنتهم إلا من عصم الله، أما الذي يخرج على المسلمين بالسيف فيقتل الأبرياء المستقيمين على شرع الله، ويفرق المسلمين، والذي يصوم الدهر كله، ويصلي الليل كله بلا نوم، ويترك الزواج بالكلية، ولا يأكل اللحم مطلقاً، ويعيش نباتياً هذا هو الذي يمكن أن نسميه متطرفاً ومغالياً ومتزمتاً ومتشدداً.
أما أن نأتي إلى رجل من عباد الله الصالحين، استقام على شرع الله، يؤدي الصلوات في المساجد، عرف معنى الإيمان، وعرف معاني العقيدة الصحيحة، والتزم بشرع الله باطناً وظاهراً، ثم نسميه متطرفاً أو مغالياً في الدين!! فهذا لعمر الله هو التطرف بحده.