للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ستر المذنب منهم]

استوصوا بالتائبين خيراً، ماذا يمكن أن نفعل أيضاً بالنسبة لهؤلاء الأشخاص؟ من الأمور المهمة ستر ذنوبهم وزلاتهم الماضية، وإسدال الستار تماماً على ما مضى من حياتهم، وطي صفحاتهم السابقة بالكلية، والمقصود هو سترهم، فأي مذنب تاب لابد أن تستره: (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) ومن أسماء الله الستير، وهي صيغة مبالغة من ستر (إن الله حيي ستير) غفار أي: يغفر، المؤمن أي: يؤمن أولياءه من العقاب يوم القيامة يؤمنهم فلا يعاقبهم، وستير: أي: يستر على عباده.

ولذلك ورد في الحديث الصحيح: (يبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه) هؤلاء هم المجاهرون بالمعصية.

ولذلك يأتي الله يوم القيامة بالعبد المؤمن ليس بينه وبينه ترجمان، فيقرره بذنوبه فيقول الله لعبده: فعلت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فيقرره بذنوبه لا يستطيع العبد أن ينكر منها شيئاً، حتى إذا رأى العبد ألا مجال له في النجاة أبداً، وأن الذنوب عدت كلها عليه من ربه وأيس، قال الله له: إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أسترها عليك يوم القيامة، ثم يدخله الجنة، اللهم اجعلنا منهم.

فإذاً الله عز وجل من أسمائه الستير، فهو يستر عباده، والشريعة تدعو لستر المذنب والتائب، ولا يجوز بأي حال من الأحوال نبش ماضيه، ولا التكلم بسيئاته الماضية، ولا فضح معاصيه السابقة، ولا التشهير به مطلقاً، لا يجوز ذلك أبداً، وفضحه والتشهير به وهو تائب من إعانة الشيطان عليه، وهذا المشهر الفاضح قد يفضحه الله يوم القيامة جزاءً وفاقاً بما أساء لأخيه المسلم التائب.

ولذلك فإننا نقول لبعض الناس: بعض الإخوان أحياناً يريد أن يضرب مثالاً على شخص في مجلس من المجالس فيفضحه دون أن يشعر، فيقول للناس: تصوروا كان هناك واحد يعمل في مكان كذا، وعمل كذا وكذا، ثم الآن تاب إلى الله، وهو الآن قد صلح، والشخص الذي بهذه الأوصاف أصبح معروفاً للآخرين ومكشوفاً.

فليس من المصلحة الشرعية أن تأتي على كل تائب وتقول للناس: هذا كان يفعل كذا وكذا، بل لابد من ستره، ونقول أيضاً: هب أنك رأيت شخصاً يتعاطى المخدرات مثلاً، وأحسست أنه يتعاطى المخدرات، لكن شعرت أن هذا الشخص نادم، وأنه يريد الإقلاع عن هذا الإدمان فعلاً، وأنه الآن في مرحلة علاج، وأن الرجل صادق فعلاً في الإقلاع، فهذا لابد أن تستره أيضاً.

افرض أنك علمت عن امرأة من الجيران أنها تفعل شيئاً في الخفاء، فأنت قدمت النصيحة وذكّرت بالله، فالمفروض أن تستر ما شاهدت حيث لا مجاهرة، وأن المسألة في السر، إلا أن تكون المسألة مستفحلة، وأن هذا وكر فساد، وأن المسألة تتفاقم، وأن أناساً آخرين ينضمون إلى الجريمة، فعند ذلك لابد من فضحهم حتى لا يستشري فسادهم.

لكن إذا شاهدت أحدهم يعمل ذنباً، فعليك أن تذكره بالله وتنصحه وتستر عليه، ومن باب أولى إذا أذنب وتاب ألا تتكلم بذنوبه السابقة.

من أنواع الستر: أن يكون هذا المذنب مثلاً قد يفقد وظيفته، أو فقدها، فيأتي أحد الصالحين فيهيئ له وظيفة بعد توبته؛ لأن بعض الناس لا يبالون بمثل هذه الشخصيات، يقول: هذا كان مدمناً ماذا أريد به!! وبعض الناس لو علم أن هذه المرأة الملتزمة كان لها سوابق في الماضي، فيقول: لا يمكن أن أقترب منها مطلقاً في مسألة الزواج، وبعض الأزواج لو علم أن زوجته ارتكبت معصية فإنه يشهر بها مباشرة ويطلقها، دون أن يدع لها مجالاً للتوبة، مع أن المفروض أن يعظها، ويذكرها بالله عز وجل، ويعطيها الفرصة، فإن استقامت فالحمد لله، وإن لم تستقم طلقها.