عباد الله! وإن من التنازلات التي تقدم التنازل في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، إن التنازلات في هذا المجال كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً، وتأتينا تحت مسمى التأقلم والتمشي مع الواقع، يُعرف علماء الاجتماع هذا بالتأقلم مع المعطيات الاجتماعية والعلمية المتجددة في العصر.
التأقلم والتمشي والمسايرة يجب أن ننتبه جداً لهذه الدعوة الخطيرة بهذه السكين التي تذبح العقيدة! وتذبح الأحكام الشرعية، فإذاً لو قال لك إنسانٌ: أنا سأتأقلم مع الواقع المعاصر، وسأنتقل من استعمال الجمل إلى استعمال السيارة، نقول: هذا تأقلمٌ جيد في أمور الدنيا، تأقلم بما أباح الله! وساير وواكب وتمشى بما أباح الله، لكن لو أن أحداً قال لك في أحكام الدين: سنتأقلم ونتمشى ونساير الواقع؛ فاعلم أنه ضالٌ مضلٌ، مفترٍ كذابٌ، أشر وداعيةُ باطل؛ لأن المقصود تغيير الدين، لو قال: هذا حكمٌ ولا أستطيع تطبيقه، بل لو قال: وأنا عاصٍ لا أطبقه لكان أهون، لكن أن يقول: إن الحكم ليس هكذا، وأن الحكم قد تغير في هذا الزمان؛ الحكم قد تغير؟! هذه كارثة كبرى، وهذه مصيبة عظيمة!! ولذلك كان من الوسائل التي استعملها هؤلاء المنهزمون، قضية العقل في مواجهة النص الشرعي، وجاءوا بالأمثلة، فإذا قلت، ثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:(يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح) قال عقلي لا يقبل هذا! والموت أمر معنوي وكيف يكون كبشاً أو حيواناً من الحيوانات؟! فنقول: ألست تعلم أن الله على كل شيء قدير؟!! إن الله قادر على أن يبعث هذه الأجساد بعد أن صارت بالية، فما بالك إذاً بأن يجعل الشيء المادي معنوياً والمعنوي مادياً، أليس الله على كل شيءٍ قدير؟! وعندما يأتي إلى حديث في البخاري:(لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) قال: هذا لا يتماشى مع الواقع، لابد أن نتأقلم مع الواقع، والواقع الآن فيه رفعٌ لراية المرأة، وحرية المرأة، ودور المرأة، فكيف نستطيع أن نجاهر بهذا الحديث في عالم اليوم؟ لا مكان لحديث البخاري في عالم اليوم! عالم اليوم: عالم الحرية، عالم رفع لواء المرأة وتحرير المرأة، وتوسيع دور المرأة، كيف نقول:(لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة)؟ إذاً: هذا حديث لا يصلح أن يطبق في عالمنا اليوم!.
ولذلك هؤلاء لا يمكن أن يقروا أبداً أمام الناس وفي الملأ والفتاوى الفضائية بحديثٍ مثل:(ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أسلب للب الرجل الحازم من إحداكن) ما يمكن أن يقول بهذا، لأنه يراها عيباً، وهذا من أسوأ أنواع الانهزام، أن يرى الإنسان نصاً شرعياً وحكماً دينياً، يراه عيباً، ولذلك لما عرض عليه الحديث قال: هذه كانت مزحة من النبي عليه الصلاة والسلام، مزحة:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٣ - ٤].
كيف يكون هذا الكلام مزحة، وغير مقصود؟ هل النبي عليه الصلاة والسلام يلبس على الناس ويقول كلاماً لا نعرف جده من هزله ولا نعرف مقصوده؟! أهذه مزحة؟! أهذا نبي أم لعب؟! أهذا مسلسل فكاهي؟! أم هو نبيٌ يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم! ثم يأتي إلى حديث:(ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين) يقول: مزحة!! فإذا قلت: قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لا يقتل مسلمٌ بكافر) هذا مؤمن وذاك كافر لا يستويان عند الله فيقول: هذا مخالف للعدل، وهذا الحديث لا يليق بزماننا، سبحان الله! انظر للقضية لا يليق بزماننا! إذاً الزمان الآن هو الحاكم، والواقع هو المسيطر، والتشريع يأخذ من الواقع، وما كان مرفوضاً في الواقع فهو مرفوضٌ عنده، وما كان الواقع يقبله فهو مقبولٌ عنده، وليس ما يقبله الدين وما يرفضه الدين، وإنما ما يقبله الواقع وما يرفضه الواقع.
فإذا قال لك إنسان: لو أن مسلماً قتل كافراً ماذا يكون عند الله؟ نقول: إذا قتله بحق، فهو مأجور، وتقرب إلى الله بقربةٍ من أعظم القربات، وإذا قتله معتدياً ظالماً فهو آثم عند الله (ومن قتل ذمياً بغير حق لم يرح رائحة الجنة) لكن شرعاً في القضاء الإسلامي لا يُقتل، مثل الوالد لو قتل ولده حكمه عند الله من جهة الإثم أنه آثم إثماً كبيراً.
أزهق نفساً بغير حق، لكن الشارع هو الذي قال: لا يقاد والدٌ بولده، ولذلك لا يقتل الوالد، لاعتبارٍ معين يريده الشرع، لكن عند الله آثم يعذب في نار جهنم بالزبانية وبأشد العذاب، هذا أمرٌ معروف، لكن في الحكم والقضاء الشرعي لا يقتل! هذا شرع الله، فإذا قال لك: إن هذا ليس فيه عدل ولا إنصاف، كفر مباشرةً؛ لأنه يتهم الله بالظلم ويتهم الشريعة بالحدية.
إذاً أيها الإخوة: تحت ثقل الواقع يرزح هؤلاء ويتراجعون عن أحكام الدين، ويشوهون الإسلام، وينقضون عرى هذه الشريعة عروةً عروة، باسم التأقلم والمسايرة والتمشي، ليس في الأمور الدنيوية، وإنما في الأمور الدينية وهذا هو الخطر.
اللهم إنت نسألك أن تفقهنا في ديننا، وأن تبصرنا بشرعك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا بدينك مستمسكين، اللهم إنا نسألك السلامة والعافية يا أرحم الراحمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.