(إن للموت لسكرات) قالها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدخل يديه في ركوة ماء ويمسح بها وجهه الشريف، وهو يحتضر يقول:(لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات)(ولما رأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه قالت: واكرب أبتاه! فقال لها: ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم) ولما احتضر أبو بكر الصديق رضي الله عنه تمثلت عائشة ببيت من الشعر:
أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر رضي الله عنه: [ليس كذلك يا بنية! ولكن قولي: ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)) [ق:١٩] ثم قال: انظروا ثوبيَّ هذين فاغسلوهما ثم كفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت].
وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه لما كان في مرضه الذي مات فيه، قال:" أجلسوني، فأجلسوه، ثم قال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه، وأَحدَّ النظر وقال: قد أصبحنا، أعوذ بالله من ليلةٍ صباحها إلى النار ".
هذه كلمات أخرى لـ معاذ بن جبل لما نزل به الموت قال:[مرحباً بالموت زائراً مغيباً، وحبيباً جاء على فاقة، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار ولكن لطول ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر].
فكانوا ثابتين عند الموت لما كان لهم الثبات في الحياة، الطاعة في الحياة تثمر ثباتاً عند الموت، والمعصية في الحياة تثمر اللجلجة والحشرجة، وعدم التوبة وقلة الثبات عند الموت، ولذلك كان السلف رحمهم الله أثبت ما يكونون في تلك الساعة، وهي أحوج ما يكون فيها الإنسان إلى الإيمان، وإلى سلامة العقيدة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن ثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، وارزقنا الثبات عند الممات، اللهم إنا نسألك المغفرة والرحمة والعتق من النار.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.