للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحكام التوبة]

وكذلك -أيها الإخوة- فإن للتوبة أحكاماً مهمة لابد من معرفة بعضها: فمن هذه الأحكام: أن المبادرة إلى الله عز وجل من الذنب هي فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها بأي حال من الأحوال، فمن فعل ذنباً وأخر التوبة فقد عصى الله تعالى بذنب آخر وهو تأخير التوبة، من فعل ذنباً وأخر التوبة إلى الله فقد وقع في ذنب ثان، ألا وهو تأخير التوبة.

فلو أن هذا الرجل كان يشرب الخمر وأخر التوبة إلى ما بعد سنتين أو ثلاث، ولم يتب إلى الله، ثم تاب بعد سنتين من شرب الخمر، فهذا قد تاب من ذلك الذنب الأول، وبقي عليه توبة أخرى وهي: التوبة من تأخير التوبة.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: وهذا أمر يفوت على كثير من الناس ولا يدركونه، ويشبه هذا الأمر أمر آخر وهو: أننا قد نقع في ذنوب، ونحن لا نحس بأننا قد وقعنا فيها، يمكن أن نغتاب في مجلس ولكننا ننسى ولا نذكر مطلقاً بأننا قد وقعنا في الغيبة، وقد نقع في الذنوب ونحن نجهلها، نقع في أشياء ونحن مذهولون عنها لم نعِ أننا وقعنا في الذنب، هذا يحدث كثيراً.

ما هو الحل والعلاج؟ العلاج في سنة نبيك صلى الله عليه وسلم فاستمع لها يا أخي المسلم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟)، ما دام أن الشرك خفي جداً لا يتفطن إليه كثير من الناس، قد تقول في مجلس: أنا اعتمدت على الله وعليك، وتفوت عليك هذه الكلمة، أو تقسم بغير الله، تقول: وحياة أبي، أو والأمانة، أو وشرفي إلخ.

ويفوت عليك أنك حلفت بغير الله، وأن هذا من الشرك الأصغر، لا تنتبه لهذا الأمر، ما هو العلاج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك مما لا أعلم).

انظر إلى دقة قضية التوبة في الإسلام، إنه يأمر المسلم أن يتوب إلى الله من الأشياء التي يجهل أنها ذنوب، ولا يعلم بأنه وقع فيها.

ولذلك كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يدعو في صلاته: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي، لا إله إلا أنت).

وكان يقول أيضاً في دعائه: (اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه -صغيره- وجله -عظيمه- خطأه وعمده، سره وعلانيته، أوله وآخره).

فهذا التعميم والشمول في الاستغفار؛ لتأتي التوبة على جميع الذنوب التي وقع فيها العبد، سواء كان عالماً بها أو غير عالم، شاعراً بها أو غير شاعر.

أسأل الله أن يوفقني وإياكم للتوبة النصوح، والإنابة إلى الله، وصلّى الله على نبينا محمد.