هؤلاء الذين ينبغي التأدب معهم حتى في طريقة إتيانهم، فلا تلح عليه إذا كسل ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تشر في وجهه بيدك، ولا تفش له سراً، ولا تمش أمامه، ولا تتبرم من طول صحبته، فإنما هو بمنزل النخلة، تنتظر ما يسقط عليك منها، القعدة بين أيديهم، كقعدة جبريل التي علمنا إياها.
هؤلاء الذين تستر أخطاؤهم وعيوبهم، ولا يشنع عليهم، وهؤلاء الذين يدعى لهم، وحتى عند الاستفتاء لا تقل: رحمك الله، ولا تقل: رضي الله عنك، ولا تقل: وفقك الله وسددك، ورحم والديك، يتقرب إلى الله بخدمتهم، والتواضع لهم، تعظم حرمتهم، وتستر زلاتهم، وتقضى حوائجهم، ويدخل السرور عليهم، بل ويتحف أولادهم.
هؤلاء الذين ينبغي أن يدعى لهم، كان بعض العلماء يدعو لمشايخه في كل ليلة، هؤلاء الذين لا يصح الإفتاء بحضرتهم، فكيف يتزبب ولم يتحصرم بعد، هؤلاء الذين يصبر على جفوتهم، وتبذل لهم الأعذار إذا أخطئوا ومن الذي لا يخطئ من البشر؟ لا تدخل مجالسهم إلا بالاستئذان، ولا يشق عليهم، ولا تطرق الأبواب عليهم في حين راحتهم.
كان ابن عباس رضي الله عنه يجلس في طلب العلم على باب زيد حتى يستيقظ، فيقال له: ألا نوقظه لك؟ فيقول: لا.
وربما طال مقامه وقرعته الشمس.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله: [ما دققت على محدث بابه قط، وكنت أصبر حتى يخرج إلي، وتأولت قول الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}[الحجرات:٥]]