قال:(وشب الغلام، وتعلم العربية منهم وأنْفََسَهُم -مِن النَّفاسَة، أي: رغبوا فيه، وأعجبهم؛ لأنه صار ينطق بلسانٍ عربيٍ أحسن منهم، تفوق عليهم في اللغة- فلما أدرك -أي: بلغ- زوجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل -رحمة الله عليها، هاجر ماتت، بعدما تزوج إسماعيل- فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يُطالِع تَرِكَتَه) جاء يتفقد مَن تركهم بعد سنوات طويلة.
يقال: إن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعاً وعاد إليه وهو متزوج.
وقيل: إنه جاء في بعض الروايات: أنه كان إذا أراد أن يأتي ليتفقد التركة، يأتي من الشام على البراق إلى مكة في الصباح، ويقيل في الشام، يأتي على البراق غُدْوَة من الشام إلى مكة، ويقيل القيلولة بعد الظهر في الشام مرة أخرى على البراق.
قال ابن حجر: وروى الفاكهي من حديث علي بإسناد حسن نحوه، وأن إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق.
وعلى هذا فقوله:(فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل -أي: بعد مجيئه قبل ذلك مراراً، كان يتردد ويتفقد، لكن بعدما تزوج إسماعيل جاء يتفقد التركة- فلم يجد ولده إسماعيل في البيت، فسأل امرأته عنه: أين إسماعيل؟ فقالت: خرج يبتغي لنا -يطلب لنا الرزق- وكان عيش إسماعيل الصيد -يخرج فيتصيد، كان إسماعيل يرعى ماشيته ويخرج متَنَكِّباً قوسه فيرمي الصيد- ثم سألها عن عيشهم -إبراهيم سأل زوجة ابنه في غيابه عن عيشهم وهيئتهم- فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة وفي رواية أنه قال لها: هل من منزل؟ قالت: لاهى اللهُ إذاً -لا يوجد منزل- قال: فكيف عيشكم؟ فذكرت جهداً، فقالت: أما الطعام فلا طعام، وأما الشاة فلا تحلب إلا المُصَرَّة -أي: مثل الشخب، تسيل سيلاناً فقط، شيء قليل- وأما الماء فعلى ما ترى من الغِلَظ) امرأة متأففة، غير راضية ولا قانعة، وتشكو زوجها إلى الأغراب، لا تعرف من هو هذا الرجل، بمجرد ما جاء وسأل عن عيشهم وقعت في عيشهم: نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه.
(قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً -أحس كأن أحداً جاء- فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم.
جاءنا شيخٌ كذا وكذا -وصفته كالمستخفة بشأنه- فسألنا عنك فأخبرته، وسألنا كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاكِ بشيء؟ قالت: نعم.
أَمَرَني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقكِ، الحقي بأهلك، فطَلَّقَها).
لماذا كنَّى إبراهيم بالعتبة عن المرأة؟ وما هو وجه العلاقة بين العتبة والمرأة؟ عتبة الباب ما هي وظيفتها؟ حفظ الباب، وصون ما هو داخل الباب، وهي محل الوطء، العتبة محل الوطء، فشبَّه إبراهيم المرأة بعتبة الباب، قال: هذه العتبة لا تصلح، فغيِّر العتبة.