للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراعاة الأولويات في طلب العلم]

وكذلك من أسس منهج طلب العلم: مراعاة الأولويات، قال ابن الجوزي رحمه الله: على طالب العلم أن ينظر فيما يحفظ من العلم، فإن العمر عزيز، والعلم غزير، وإن أقواماً يصرفون الزمان إلى حفظ ما غيره أولى منه، وإن كان كل العلوم حسناً، ولكن الأولى تقديم الأهم والأفضل، وأفضل ما تُشوغل به حفظ القرآن، ثم الفقه، وما بعد هذا بمنزلة تابع.

وقال عن الأولويات أمام قصر العمر وكثرة العلم: فيبتدأ بالقرآن وحفظه، وينظر في تفسيره نظراً متوسطاً -لاحظ ما يقول: أريد أن أجمع تفسير الآيات من ابن كثير والبغوي والقرطبي وزاد المسير وتفسير المحيط وكتاب الشوكاني فتح القدير وأضواء البيان، لا إنما يبدأ الإنسان عندما يبدأ في التفسير بتفسير مبسط، يأخذ على سبيل المثال تفسير السعدي، وينهي تفسيراً متوسطاً كـ تفسير ابن كثير.

قال: "لا يخفى عليه بذلك منه شيء".

يعرف معاني كلام الله، يأتي على القرآن في تفسيرٍ متوسط لا يجمع الأقوال، فليست الآن قضية جمع أقوال، واشتغال بدقائق الأشياء التي في الآية، خذ لك تفسيراً متوسطاً على قراءة تضبطها، وأشياء من النحو وكتب السنة، ابتداءً بأصول الحديث، من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن، ومن حيث علم الحديث بعد ذلك هذا، كمعرفة الضعفاء، والأسماء، فلينظر في أصول ذلك، وقد رتب العلماء من ذلك ما يستغني به الطالب عن التعب، ولينظر في التواريخ ليعرف ما لا يستغني عنه، كنسب الرسول صلى الله عليه وسلم وأقاربه وزوجاته وما جرى له، ويأخذ فكرة عن السيرة، ثم يقبل على الفقه، فينظر في المذاهب والخلاف، وليكن اعتماده على مسائل الخلاف، فلينظر في المسألة وما تحتوي عليه، فيطلبه من مضانه، كتفسير آية وحديث ومعنى كلمة، ويتشاغل بأصول الفقه والفرائض، هذا المنهج في الجملة، لكن الأولويات في التفصيل تختلف وقال رحمه الله: ورأينا في هذا الزمان من اشتغل بالحديث جمعاً وتصحيحاً وغريباً وطرقاً، ولكنه مقصر في حفظ القرآن الكريم، وهذه الآفة انتشرت بين كثير ممن يريدون طلب العلم في هذا الزمان، فتراهم يتجهون على الحديث مباشرة، هات المصطلح تقريب التهذيب رجال الإسناد ابحث في تاريخ الوفيات، من تلاميذه ومن شيوخه؟! إذاً متصل، صحح وضعف وحقق ونشر كتباً، وهذا من أكبر الأخطاء، ولو سألته عن جزء عم، لا يجيده؛ لأن السبب هو إهمال حفظ كتاب الله.

قال أبو زرعة: كتب إلي أبو ثور، فقال: فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية وتسعون رجلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي صح منه طرق يسيرة، فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم، ولو اتسع العمر كان استيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية الجودة، لكن العمر قصير.