وكذلك فإن علي بن المديني رحمه الله كان حريصاً على أهل الحديث، ناصحاً لهم، وإذا وجد فائدة لأحدهم ذكرها له، فقال سعيد بن سعد البخاري نزيل الري: سمعت مسلم بن إبراهيم يقول: كانت الكتب التي عند أبي داود لـ عمرو بن مرزوق، وقال: عمرو رجل كثير الغزو -يغزو في البحر- فكانت الكتب عند أبي داود إلى أن مات أبو داود، فلما مات أبو داود حولها عمرو بن مرزوق.
قال سعيد: فقال لي علي بن المديني: اختلف إلى مسلم بن إبراهيم، ودع عمرو بن مرزوق.
قال: فأتيت مسلماً في يوم مجلس عمرو بن مرزوق، فقال لي: اليوم مجلس عمرو بن مرزوق كيف جئتني؟ فقلت: إن علي بن المديني أمرني أن آتيك.
فكان علي بن المديني رحمه الله ينصح الشخص بمن يفيده أكثر، فربما يكون هذا الشخص ليس متقناً في الحديث، أو ليس له ذاك الباع، أو كان مشتغلاً بالغزو، فلن يحصل له كثير تفنن، أو إتقان، أو غيره أعلم منه! بل كان يقول للطالب: اترك هذا وائت هذا؛ من أجل فائدته، فأمر علي بن المديني سعيد بن سعد البخاري بالاختلاف إلى مسلم بن إبراهيم، وترك الأخذ عن عمرو بن مرزوق؛ لأن مسلم بن إبراهيم إمام ثقة، وأما عمرو بن مرزوق فكان متكلَّماً فيه عند ابن المديني، ولم يكن بثقة في علم الحديث؛ لكنه من جهة أخرى كان مجاهداً كبيراً.
وهكذا دأب الإنسان الحريص على مصلحة إخوانه أنه يخبرهم بالفائدة، يقول: هذا الشيخ أحسن وأفيد لك، هذا أغزر علماً، الزم فلاناً، دع هذا واذهب إلى الآخر، لا لهوى شخصي، وإنما حرصاً على مصلحة أخيه، أو على مصلحة الطالب.
ومن باب عدم الحسد -أيضاً- على الإنسان أن يدل غيره على الخير، وعلى المكان الأكثر فائدة، وعلى الشيخ الأكثر علماً، هذا من دأب أهل العلم.