الصبر على جفوة الشيخ قد يكون الشيخ مثلاً فيه جفوة أو شدة، والناس خلقوا على طباع مختلفة، فيهم الشديد والسهل واللين، والعلماء من البشر قد يقع عند بعضهم شيء من هذا، قد يكون مثلاً عنده خلق لا يرضى بعض الطلبة أو عنده شدة أو حدة، بعض العلماء كانوا مشهورين بالحدة.
قال بعضهم عن شيخ الإسلام رحمه الله: كان له حدة يقهرها بالحلم حليم يقهر الحدة، وكان له حدة تعتريه حال البحث والسؤال والمناظرة، فيتحمل الطالب إذا شد عليه الشيخ ولا يتركه ويذهب، لا.
يصبر على جفوته، بل يبدأ بالاعتذار حتى لو كان الخطأ من العالم، ولا يدخل عليه في مجلسه إلا بالاستئذان، ولا يطلب القراءة عليه في وقت يشق على الشيخ، أو لم تجرِ عادته بالإقراء فيه، ولا يطرق عليه الباب، بل ينتظره حتى يخرج، ولا يوقظه إن كان نائماً، كان ابن عباس يجلس في طلب العلم على باب زيد بن ثابت حتى يستيقظ، فيقال له: ألا نوقظه لك، فيقول: لا، وربما طال مقامه وقرعته الشمس في الصباح، وكان يقول: أجلس عند باب أحدهم فتسفني الريح على وجهي ثم يخرج، فيقول زيد: يا ابن عم رسول الله، أنا أحق أن آتيك، فأقول: لا.
أنا آتيك، العلم يؤتى ولا يأتي.
وعن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال: ما دققت على محدث بابه قط، بل كنت أصبر حتى يخرج إلي، وتأولت قول الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ}[الحجرات:٥] وروى الخطيب بسنده عن عبيد الله بن عبد الكريم قال: سمعت أحمد بن حنبل وذكر عنده إبراهيم بن طهمان وكان من علماء السلف، وكان متكئاً من علة، الإمام أحمد كان يؤلمه جسده فكان متكئاً فلما ذكر إبراهيم بن طهمان، اعتدل فاستوى جالساً، فقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون ونحن متكئون.
وقال الشافعي:"كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحاً دقيقاً، هيبة لها، لئلا يسمع وقعها"، يعني: حين يقلب أوراق الكتاب أمام مالك -وكان يطلب العلم عند مالك - كان يقلب الورق برفق لئلا يزعج الشيخ بقلب الأوراق، وكانوا كما ذكرنا سابقاً يذهبون ويسافرون من أجل طلب العلماء والبحث عنهم، والعلماء في أوجه من أوجه الشبه مثل الكعبة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء، يكون العالم جالساً بجنبك في نفس البلد فلا تذهب إليه ولا تعرف قدره، لكن الذي يسمع عنه من بعد يأتي ويحرص، مثل الكعبة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء.