للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بر الوالدين في القرآن]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، هذه المحاضرة عن بر الوالدين وهي بعنوان: (قرة العينين في بر الوالدين).

ولا شك أن قرة العينين في بر الوالدين فعلاً، كيف لا وقد جاءت الآيات والأحاديث تبين هذا، وسنتعرض إن شاء الله لهذا الموضوع في عدد من النقاط، منها: ١ - بر الوالدين في القرآن.

٢ - بر الوالدين في السنة.

٣ - بر الوالدين عند الصحابة والسلف.

٤ - فوائد من بر الوالدين.

٥ - صور البر وأشكاله قبل الوفاة وبعد الوفاة.

٦ - إيذاء الوالدين وعقوبة العقوق.

٧ - الموقف من الأب المشرك والأم الكافرة.

٨ - الوالد الفاجر والوالدة العاصية.

٩ - أحكام فقهية تتضمن: أ- حكم المال إذا أخذه الأب.

ب- الاستئذان في السفر.

جـ- قطع الصلاة لهما.

د- تعارض بر الأب مع بر الأم.

١٠ - ماذا يفعل الولد إذا أمراه بترك الواجبات أو فعل المحرمات أو الوقوع في المشتبهات؟ ١١ - وأخيراً: الشباب والدعوة وبر الوالدين.

بين الله سبحانه وتعالى أهمية بر الوالدين، لما عطف الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك على بر الوالدين، فقال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:٣٦]، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:٢٣]، وقرن شكره بشكرهما، فقال الله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:١٤]، وبين الباعث على البر تهييجاً للنفوس، فقال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:١٤]، وامتدح الله عبده يحيى، فقال: {وَكَانَ تَقِيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} [مريم:١٣ - ١٤]، وكذلك حدّث عيسى عن نفسه في المهد بأن الله عز وجل جعله مباركاً، فقال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} [مريم:٣١ - ٣٢].

وقال سبحانه وتعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:٢٤] فيه بيان أن بر الوالدين أعظم من بر الأصحاب؛ لأن الله قال في الأصحاب: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:٢١٥]، وقال في بر الوالدين: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:٢٤]، ولا شك أن خفض جناح الذل من الرحمة أبلغ من مجرد خفض الجناح.

ولذلك فإن هذه الآيات في سورة الإسراء: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:٢٣] حتى هذه الكلمة اليسيرة التي تعبر عن الزجر لا تقلها، أو لا تقل أي عبارة تدل على الاستقذار والاحتقار، فأخذ الله علينا ألا نؤذي الآباء ولا الأمهات بأقل القليل ولا بكلمة (أف) {وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:٢٣] فلا يزجرهما بكلام، ولا ننفض اليد في وجوههما بأي طريقة تؤذي: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:٢٣] فلا تسمِ وتقل: يا فلان، ولا تغلظ عليهما بالقول فضلاً عن السب والشتم، وإنما تناديهم بالقول اللطيف، قال ابن المسيب رحمه الله في قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:٢٣] قال: هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ فكيف يكون حاله.