[من فوائد الحديث]
والحديث فيه من الفوائد: المنُّ على الأسير الكافر، وأثر المنّة على الكفار في تحبيب الدين إليهم، وكذلك الاغتسال عند الإسلام، وجمهور العلماء على أن الاغتسال مستحب وليس بواجب، لكن الكافر إذا أراد أن يسلم وقال لك: كيف أسلم؟ تقول: انطق الشهادتين واغتسل؛ لأنه إذا كان بالغاً لا يخلو أن يكون على جنابة، ومادام أنه قد دخل في الإسلام أي أنه سيصلي، وعليه جنابات من قبل، فعليه أن يزيلها بالاغتسال، فإذا كان لأجل الدخول في الدين فالغسل مستحب وإذا كان من أجل الطهارة ورفع الجنابة فلابد أن يغتسل وأن يصلي.
كذلك في هذا الحديث: أن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم؛ فإنه يشرع له أن يستمر في عمل الخير هذا، فلنفترض أن كافراً أراد أن يُنشئ ملجأ للأيتام، وضع الأساسات واشترى الأرض ثم أسلم وقال: ماذا أعمل في المشروع؟ نقول: أكمل، أسلمت على ما أسلفت من خير.
وفي الحديث: ملاطفة الذي يرجى إسلامه من الأسرى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمر عليه كل يوم ويسأله عن ظنه، ويهتم به، ولا سيما الرجل الذي إذا أسلم تبعه قوم، فإن المعظمين عند الناس إذا أسلموا يكون لإسلامهم أثر على بقية الذين يتبعونهم.
وفي الحديث: بعث السرايا إلى بلاد الكفار، وأسر من وجد من الكفار خصوصاً الناس المؤثرين.
وفي الحديث: أن لإمام المسلمين الخيار في قتل الأسير، أو المن عليه، أو المبادلة به، أو أخذ الفدية، وقد حدث في بعض المعارك السابقة بين المسلمين والنصارى، فاتفق المسلمون مع النصارى على مبادلة الأسرى، ونصب جسر على النهر، وكانت الطريقة أن ينطلق الأسير الكافر من أول الجسر والأسير المسلم من الطرف الآخر، ويمشي كل واحد إلى معسكر فريقه، ثم ينطلق الأسير الثاني مع الأسير الثاني، وهكذا تتم المبادلة بهذه الطريقة، وفي آخر المبادلة انتهى أسرى المسلمين، وبقي أسرى كفار عند المسلمين، فأطلقهم الخليفة منّةً وإظهاراً لعفو المسلمين وسمو المسلمين وعلوهم، فإن المنة متى تكون مؤثرة إذا كانت من طرف قوي، أما إذا كانت مِنَّة من طرف ضعيف هزيل فلا تعتبر منّة، وإنما تعتبر إلجاء، وتفسر على أنها هزيمة وإرغام، أي: أنهم أطلقوهم مرغمين وخائفين إذا لم يطلقوهم من الانتقام، أما إذا صارت المنّة من طرف قوي ومن موقع قوة، فهذه يكون لها أثر، ولذلك إطلاق ثمامة كان مؤثراً، ليس لأن المسلمين يخافون من قومه، فهم قد وصلوا إلى قومه وأسروا رئيسهم، فهم قادرون على أن يدخلوا ديارهم ويقتحموها ويصلوا إليهم، لكن هنا تم العفو من موقع القوة، ولذلك أثر.
كذلك في هذا الحديث: جواز ربط الكافر في المسجد، وهذه هي مسألة: ما حكم دخول الكافر إلى المسجد؟ والذي يتبين لنا من خلال الأدلة الشرعية التي وردت في الموضوع أن دخول الكافر إلى المسجد إذا كان فيه مصلحة فلا بأس به، كما حدث في قصة ثمامة، أو من بلغ بعض الرسائل من بعض المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودخل وسلمها إياه.
وبناءً عليه لو قيل: هل يجوز أن يبني المسجد كفرة؟ نقول: الأولى أن يبنيه المسلمون لأن الكفار غير مؤتمنين، لكن لو كانوا مؤتمنين فبنوه جاز بناؤهم إذا لم نجد من المسلمين من يبينه.
ولو قال قائل: عندنا شخص كافر في الشركة، يحب أن يرى المسلمين في المسجد، ويحب أن يرى الصلاة، فهل يجوز أن نأتي به إلى المسجد ونجعله في الخلف ينظر إلى صلاتنا، ويتأمل أحوالنا في المسجد؟ نقول: نعم.
إذا كان لا ينجس المسجد، ولا يرفع الصوت ولا يحدث، ولا يأتي بالكاميرات ليصور، ولم يأتِ بالشورت، كما يقع في بعض الأماكن، فإذا جاء بدون محاذير شرعية وجلس في الخلف، ونظر إلى صلاة المسلمين فلا حرج في ذلك، لعل الله أن يهديه ولعله أن يتأثر.
وتجد بعض المستعجلين من المصلين ربما يدخل ويراه فيشتمه ويطرده إلى الخارج ويقول: ومن الذي أدخلك؟ وأنت نجس والمسجد لا يدخله نجس؟ ويطرده من المسجد، فينبغي للمسلم أن يكون حكيماً، ونجاسة الكفار نجاسة معنوية، وليس معنى ذلك أنك إذا لمست الكافر صارت يدك نجسة، ويجب عليك أن تغسلها، وإنما المشركون نجس نجاسة الشرك، ونجاسة الكفر، ونجاسة المعتقدات التي يدينون بها، أما جسده وعرقه وجلده فهو طاهر وليس بنجس، إلا إذا دهن نفسه بالنجاسة ولوث نفسه بالنجاسة من بول وغائط فهذه مسألة أخرى.
إذاً: يجوز أن ندخل كافراً إلى المسجد إذا كان لا يؤذي فيه، لكي يرى صلاتنا، ويرى ديننا، ويسمع كلامنا، فإن النبي عليه الصلاة والسلام ربط ثمامة في المسجد.
أما أن يدخل للتصوير، ولفحص النقوشات، والفن الإسلامي، والكلام الفارغ الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، فقد نهى عن تزويق المساجد وتزيينها؛ فهذه مسألة أخرى تختلف عما نحن بصدده.
أما بالنسبة لآداب المسجد فهي كثيرة، منها: تقديم الرجل اليمنى عند الدخول، كما جاء معلقاً في البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، ويقول: (أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم صل على محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك) وكذلك إذا خرج يقول عند خروجه: اللهم إني أسألك من فضلك.
وكذلك لا يقذر أحد المسجد بنعليه خصوصاً إذا كان فيه سجاد، فلذلك يجعلهما في مكان لا يؤذي بهما أحداً، أما إذا كان المسجد -مثلاً- مفروشاً بالرمل أو بالحصى -كما كان ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم- فإنه إذا دخل بنعليه يجعلهما بين رجليه، لا يجعلهما على يمينه حتى لا يؤذي من عن يمينه، ولا يجعلهما عن يساره حتى لا يؤذي من عن يساره، ولا يجعلهما خلفه حتى لا يؤذي من وراءه، إنما يجعلهما بين قدميه، وإذا كانت المساجد مفروشة كما هو الآن فتجعل النعال خارج المسجد.
كذلك فإن المسجد ينبغي أن يصان عن كل وسخ، وقذر، وقذاة، ومخاط، وبصاق، وتقليم أظفار، ونتف شعر أو إزالته، وقد كانت أرض المسجد حصباء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها، وقد غضب النبي عليه الصلاة والسلام وتغيظ لما رأى نخامة في قبلة المسجد، فحكها بالزعفران صلى الله عليه وسلم.
وينبغي صيانة المساجد عن الصغار الذي لا يميزون، وليس في وجودهم مصلحة ولا فائدة، وكذلك المجانين كما نص على ذلك العلماء قالوا: ويسن أن تصان المساجد عن صغير ومجنون، والمقصود بالصغير: المؤذي أو الذي يصيح ويزعق، والذي ليس في دخوله فائدة، وأما الصبي المميز فإنه يدخل المسجد ولا بأس بذلك.
كذلك لو كان طفلاً صغيراً بيد أمه لكنه لا ينجس المسجد، يقول أحد الأئمة: الصبيان في رمضان اتخذوا مساجدنا مراحيض، تأتي به أمه من غير لباس، ومن غير حفاظات، فيبول على فرش المسجد، وكل يوم نبحث عن أماكن البول ونغسلها، ثم إن السجاد ملتصق بالأرض، ولو كان حصى أو تراباً لصببنا عليه الماء وذهبت النجاسة في باطن الأرض، فبعض النساء والرجال يأتون بالصبيان إلى المسجد، فيأكلون ويشربون على سجاده، ومعلوم أن إتلاف السجاد حرام، فإنها من وقف المسجد، ومن ممتلكات المسجد، فيأكلون عليه ويصبون عليه الأشربة والأطعمة، ويبولون عليه، وهذا منكر واضح.
كذلك فإن المساجد لم تبن للدنيا، فيمنع فيها البيع والشراء، ومن فعل فيقال له: لا أربح الله تجارتك، وكذلك يمنع فيها التكسب بالصنعة كالخياطة وغيرها، ولا يجوز أن يقعد فيها الصنّاع، مثلاً: الذي يصلح الأحذية وكذلك الذي يرقع الثياب أو يخيطها.
كذلك فإن المساجد لا تتخذ مكاناً للإعلان عن المفقودات، وإذا قال أحد فيها: من وجد لي كذا وكذا، فيقال له: لا ردها الله عليك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.